تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مصر التى نعرفها !
مصر التى نعرفها هى بلد عظيم بطبيعته، كريم بأهله، وأمّ للأمم بحضارتها، قد تمر عليها لحظات وهن، وقد تعانى من ثقل الأزمات، لكنها لا تسقط أبدًا، لأن ضعفها يكون دائمًا مقدمة لانبعاث جديد، وقوة أشد وإرادة أصلب.
هذه الأرض لم تُبنَ فى يوم ولم تتشكل شخصيتها مصادفة، بل خلاصة حضارات متعاقبة مرَّت عليها وتركت آثارها، ثم ذابت جميعها فى بوتقة واحدة، فصنعت هوية مصرية متفردة لا تشبه سواها، ومنذ قدم التاريخ تشكلت شخصية تعرف معنى الدولة وقيمة الزمن وقدسية الأرض، وكان النيل شاهدًا وشريكًا، يعلّم أبناءه الصبر، ويغرس فيهم روح العطاء والاستمرار دون ضجيج.
الشخصية المصرية كانت -وما زالت وستظل- فى جوهرها عنوانًا للإبداع العقلى والإنساني، هنا وُلد الفن، وتقدّمت العلوم، واتخذ العقل منهجًا للوعى والرقى، ومن مصر أضاء نور الثقافة محيطها كله، فكانت مركزًا للفكر وملاذًا للعلم ومنارة للاعتدال، ولم يكن التديّن فيها صخبًا بل إيمانًا، ولم يكن الاختلاف تهديدًا بل ثراء.
كان الدستور المصرى القديم مدونًا فوق الجدران، ومحفوظًا فى القلوب، ومفرداته التعايش الآمن بين أبناء الوطن الواحد، المسلم والمسيحى شريكان فى الحياة، فى الشارع والعمل والأفراح والأحزان، لا تفرقة فى الملامح، ولا تمييز فى اللهجة، ولا اختلاف فى الانتماء، والجميع مصريون، وهذه الكلمة كانت كافية ليجتمع الجميع تحت عباءتها.
لم يكن الفقر عيبًا ولم يكن سببًا للانحراف، وكان امتحانًا للكرامة ودافعًا للعمل الشريف، والكسب الحلال شرفًا، والعرق فخرًا والسرقة عارًا، وخرج من بيوت الفقراء رجال صنعوا المجد، لأنهم تربّوا على القيم لا على الترف، وعلى الصبر لا على الاستسهال.
وأمهات مصر العظيمات عمود البيت، نساء بسيطات، قد يكنّ غير متعلمات، لكنهن يمتلكن وعيًا فطريًا وحكمة عميقة، وعلمن أبناءهن الأصول، وغرسن فيهم الاحترام، وربّين أجيالاً عرفت معنى الرجولة وتحمل المسئولية.. كانت الأم مصنع الرجال، لا بالكلام بل بالفعل.
لكن رياحًا غريبة هبّت على الشخصية المصرية، فشوهت بعض الملامح وغيبت القيم وأبرزت أسوأ ما فينا، دخل الكذب حياتنا، وظهرت شهادة الزور، وانتشرت البلطجة، وتحول الخلاف البسيط إلى عنف أعمى، وسقطت هيبة الأخلاق، وتراجع احترام الآخر، وظهرت سلوكيات لم نكن نعرفها من قبل.
حتى الرموز التى كنا نستمد منها القدوة والطمأنينة، تبدّل بعضها، فاختلطت الملامح، وارتبك المشهد، وضاع النموذج الذى كنا نهتدى به، وأصبحنا نرثى الأخلاق، وكأنها كائن جميل، كان يعيش بيننا ثم اختفى.
لكن الحقيقة الأعمق أن مصر لم تُغادر ذاتها، ولم تنقطع عن جذورها الضاربة فى عمق التاريخ، جذور ما زالت نابضة بالحياة، تنتظر فقط إيقاظها.. الشخصية المصرية، بما تحمله من وعى وصلابة، قادرة دائمًا على النهوض واستعادة ملامحها الأصيلة متى تذكرنا حقيقتنا، وأعدنا للقيم مكانتها فى وجداننا.. مصر لا تموت، لأنها وطن خُلق ليبقى .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية