تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > كيف نعاقب الطلاب ولا نلوم الفنانين؟

كيف نعاقب الطلاب ولا نلوم الفنانين؟

كيف نعاقب طلاب المدارس ونمنعهم من الدخول بسبب البنطلونات المقطعة والشعر الطويل المصبوغ، ولا نلوم الفنانين ونجوم الكرة «القدوة والمثل» على نفس السلوك؟ ولماذا لا يضع هؤلاء فى عيونهم فص ملح ويدركون ان الشباب يفعلون مثلهم؟
كيف نستهجن البلطجة فى الشوارع، بينما تُعظّم المسلسلات صور العنف، وتجعل الإجرام أسلوبا للشهامة والبطولة، وكلنا شهود عيان على هذه المهازل.
لم يكن المصريون يوماً بعيدين عن قيم الشهامة والاحترام، ولم يعرف عنهم التفاخر بالعنف واستعراض البذاءة والبطولة الزائفة، كما نشهدها اليوم على منصات التواصل الاجتماعى.
الجريمة لم تغب عن أى مجتمع، لكن الفارق اليوم أن «السوشيال ميديا» جعلتها مسرحا مفتوحاً أمام الجمهور، ولم يعد الجانى يخفيها بل بات يسعى لتحويلها إلى «ترند» يثير الإعجاب والشهرة والفلوس، وتتشكل أجيال ترى فى العنف وسيلة للظهور، وفى البلطجة طريقة لتأكيد الذات.
ربما ادى تراكم الضغوط الاقتصادية والبطالة وتراجع دور مؤسسات التنشئة، مثل المدرسة والأسرة والنادي، الى فتح المجال أمام ثقافة «القانون الخاص»، حيث يصبح الكلب أو السلاح الأبيض بديلاً عن القانون والقضاء.
ورغم ذلك الصورة ليست قاتمة تماماً، ففى الجانب الآخر نماذج مشرفة من شباب أثبتوا قدرة على شغل وظائف المستقبل، والتعامل مع تحديات السوق العالمية، ويقدمون نماذج مشرقة تستحق أن تتصدر المشهد، وهؤلاء هم الامتداد الطبيعى لتاريخ مصر الحضاري، والرد العملى على صور الانحراف التى تحاول أن تفرض نفسها عبر المشاهد المظلمة.
والمسئولية هنا جماعية، فلا يمكن للأمن وحده أن يواجه الظاهرة، رغم النجاح الهائل للشرطة فى تتبع الجرائم وضبط مرتكبيها خلال ساعات، مما يعطى شعورا بالارتياح، ويخلق نوعا من الردع العام.
ولكن نحن بحاجة الى أمور اخرى كثيرة، فى مقدمتها فن هادف يرسخ القيم، لا إلى أعمال تهدم الذوق العام تحت ستار «حرية الإبداع».. نحن بحاجة إلى مدرسة تعيد الانضباط والقدوة.. ونادٍ يعيد الشباب إلى ممارسة الرياضة.. ومؤسسة دينية تبعث الضمير الأخلاقي.. وإعلام يسهم فى توجيه الرأى العام بدلاً من تضخيم النماذج السلبية.
وفى هذا السياق، يبرز غياب الدور الذى يجب ان تلعبه المراكز البحثية كـ «كشاف ضمير» للمجتمع، تفك ألغاز الظواهر الملتبسة، وتضع تشخيصاً علمياً للمشكلات، وإعادة إحياء هذا الدور البحثى باتت ضرورة قصوى، إذ لا يمكن مواجهة هذه التحولات بالانفعال وحده، بل بمنهج علمى يرصد ويحلل ويقترح.
معركة القيم التى نعيشها اليوم ليست بين جريمة فردية وعقوبة قانونية فحسب، بل بين صورتين: «بلطجى تيك توك» يحاول فرض العنف كقاعدة، وشباب مصر الرقمية الذين يجسدون المستقبل، والرهان الحقيقى أن نمنح النماذج المضيئة الصدارة، ونحول الضوء عن مشاهد العنف لتبقى مجرد استثناء عابر يمر فى الظلام .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية