تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > فين المصرى بتاع زمان ؟

فين المصرى بتاع زمان ؟

فى أوائل القرن العشرين أنشد سيد درويش أغنيته الشهيرة «محسوبكو انداس»، والجملة المحورية فيها «إيخيه أمان أمان.. فين المصرى بتاع زمان؟» وهى تساؤل ساخر وحزين عن هوية المصرى الأصيل الذى ضاع بين التقليد وتغير الأحوال.

منذ أكثر من قرن من الزمان كان سيد درويش يسأل السؤال الذى نطرحه اليوم: فين المصرى بتاع زمان؟.

احتار جدًا فى تفسير تصرفات الناس، بين قمة النبل فى الدفاع عن مسن السويس - مثلًا - وأمثلة أخرى كثيرة، وبين قمة النذالة فى حوادث التنمر المدارس - مثلًا - والتصفيق وتشجيع الطلاب للمتنمرين، وأمثلة أخرى كثيرة.

هل تغير الناس للأسوأ وأصبحوا يكرهون الخير لغيرهم ويضمرون الشر للقريب والبعيد؟، أم هى صناعة وسائل التواصل الاجتماعى والموبايلات المجنونة المتحفزة للشر؟.

أعترف أننى لا أملك الإجابة ولكن أحاول التفكير، فمن سمات الشخصية المصرية المروءة والشجاعة والشهامة ومساعدة الغير، فلماذا نرى بعض الناس يتفرجون على تصرفات بشعة ولا يحركون ساكنًا، هل هو الخوف أم مآثرة السلامة أم «وأنا مالى» أم الغيبوبة الجمعية؟.

ومن سمات الشخصية المصرية التعايش السلمى الآمن لكل أبناء الديانات والثقافات والحضارات.. فلماذا تظهر من حين لآخر أحداث طائفية بغيضة، يستثمرها البعض بشكل سيئ؟، وكيف نتصدى لها؟.

ومن سمات الشخصية المصرية التسامح والمحبة والسلام النفسى والرضا بما قسمه الله.. لكن كل هذا تغير، وأصبح الأخ لا يتمنى الخير لأخيه، وتلمح فى العيون الحسد وفى القلوب الغيرة والحقد.

ما نراه أحيانًا يوجع القلب ويفجّر سؤالًا مُلحًّا: لماذا تغيّر الناس؟، هل يُعقل أن تُنسب إلى المصرى تلك الجرائم البشعة التى تتناقلها الشاشات ومواقع التواصل؟، هل يمكن أن يُختزل هذا الشعب فى مشهد شاب يقتل زميله بدم بارد، أو أب يحتجز أسرته رهائن، أو مراهقين يتباهون بالمعصية ويُصورونها كأنها بطولة؟
بعض النماذج شوائب صاخبة، تضخّمها وسائل التواصل، ولكن الحقيقة أعمق وأخطر، وتتمثل فى تآكل منظومة القيم التى كانت تحكم السلوك العام، وتبدّلت المعايير تحت ضغط عوامل كثيرة، بجانب رياح من الخارج محمّلة بأمراض فكرية وأخلاقية، يتبناها البعض دون وعى، حتى صارت الموبايلات مصانع صغيرة لإعادة إنتاج النفايات الأخلاقية.

ومع ذلك فالصورة ليست سوداء تمامًا، والضمير الجمعى يستيقظ أحيانًا، ويتسلح بالوعى والمروءة والشجاعة، ينتصر لكرامة الإنسان والأمثلة كثيرة جدًا، وما زال فى بيوتنا آباء شامخون وأمهات عظيمات، فى قلوب الناس بقايا شهامة لا تموت، تظهر فى لحظات الخطر حين تشتد المحن.

لكن الخطر الحقيقى يكمن فى الصمت، وفى أن نتعامل مع هذه التحولات وكأنها أمر واقع لا يُعالج، ونحتاج مؤسسات علمية ومجتمعية، تدرس الظاهرة بعمق وتُعيد قراءة الشخصية المصرية التى كانت يومًا عنوانًا للمروءة والتسامح والشجاعة والرضا.

السؤال قديم متجدد يبحث عن إجابة: فين المصرى بتاع زمان؟.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية