تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > عمارات وسط البلد فى قبضة التشويه!

عمارات وسط البلد فى قبضة التشويه!

نتحسر ونحن نرى مشاهد رائعة فى افلام ابيض واسود للترام القديم وحارات افلام نجيب محفوظ و»شوارع وسط البلد»، وهى تتلألأ بحركة الناس ونظافة المقاهى وروعة النيل وقت الغروب، وكأنها مدينة تسير على إيقاع موسيقى حالمة.
لو أخذت الآن جولة على الأقدام فى يوم أجازة، فى شوارع وسط البلد، ستدرك لأول وهلة، أننا ارتكبنا جرائم كبرى فى حق هذا البلد، وقمنا بأكبر عملية تشويه فى التاريخ لعمارات قديمة بنيت بطراز المتاحف فأصبحت دميمة ومشوهة.
لو نظرت إلى أى عمارة من أعلى فى وسط البلد ، فهى غاية فى الروعة والجمال، تماثيل حجرية وأشكال هندسية رائعة، ولو نظرت إلى العمارة من أسفل زجاج وأنوار والوميتال ومحلات احذية وملابس وكشرى وشاورما وتعديات على الأرصفة مثل الخراريج الكبيرة.
وكأننا أمام تمثال جميل من أعلى، وتلطخ من أسفل بالتعديات .. وكان فى وسع من قاموا بهذه الجرائم، أن يحافظوا على الشكل العمرانى للعمارة، فتزداد جمالاً ورونقاً.
نصف قرن من التشويه والتخريب والتدمير لقلب العاصمة التى كانت تسمى القاهرة الخديوية نسبة إلى الخديو إسماعيل وهو من أعظم البنائين فى تاريخ مصر، ولكننا شوهنا تاريخه مثلما تشوهت العمارات التى بناها.
الخديو إسماعيل كان شغوفاً بالجمال والبناء، وأراد أن يجعل القاهرة مثل باريس، فاختار مجموعة من المهندسين على الذوق الفرنسي، شيدوا القاهرة وأطلقوا عليها «باريس الشرق»، وقام بالإنجاز العظيم المهندس الفرنسى «هاوسمان» الذى خطط القاهرة صورة من باريس.
باريس لا تزال شابة والفرنسيون يعضون بالنواجذ على تراثهم العمراني، ويعيدون أى مبنى آيل للسقوط إلى ما كان عليه بشكله القديم وملامحه وتفصيلاته، والقاهرة ابتدعت مبانى أشبه بعلب الكبريت بدلاً من كل بناية رائعة آيلة للسقوط، والشواهد الحية كثيرة، نراها فى ميدان العتبة مثلاً بوضوح، فأمام المطافى والبريد بالطراز القديم عمارة قبيحة أشبه بألواح الصفيح المرصوصة فوق بعضها.
خمسون عاماً من الإهمال والفوضى والتسيب والفساد جعلت قلب القاهرة يئن بالآلام والأوجاع، فاختفى الجمال وحل محله القبح وأصبحت فى أمس الحاجة لمشرط جراح يزيل الأورام والتشوهات وينقذ ما يمكن إنقاذه.
اقرأ فى كتب التاريخ عن حديقة الأزبكية زمان، واذهب إليها وشاهدها الآن، وهى تئن بالباعة الجائلين، وأكبر سوق عشوائى فى قلب العاصمة، وكلما طردتهم المحافظة، يعودون للمنطقة بعد ساعات.
أما زمان فقد كانت الحديقة على مساحة 18 فداناً، وفيها المسرح الكوميدى ودار الأوبرا، وتم تشجيرها وتزيينها وإضاءتها، لتقام فيها الاحتفالات الرسمية والشعبية وحفلات كبار المطربين، وتعزف فيها فرق موسيقى الشرطة والجيش.
ومن يشاهد صور القاهرة الباريسية زمان، يشعر بالأسف والندم والحسرة.. ويا رب نعى الدرس ونحافظ على الجمال العمرانى الذى تحاول الدولة أن تعيد بعض ملامحه سواء فى قلب القاهرة أو المدن الجديدة.
ملحوظة: كتبت نفس المقال منذ اربع سنوات فى هذا المكان.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية