تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الكراهية.. مشروع لهدم الأوطان!

الكراهية.. مشروع لهدم الأوطان!

لا تسقط الأوطان بهدم الجدران، ولكن بتحطيم النفوس، وأقصر الطرق إلى هدم أى وطن هو إشاعة الكراهية بين أبنائه، حتى يتحول الأخ إلى خصم، والجار إلى عدو، ويصبح العيش المشترك غلًا وعداوة، وتُرتفع رايات الفتن، وتشتعل نيران الصراعات، ويضيع معنى المواطنة والمحبة والتسامح.

ومنذ فجر التاريخ، لم تندلع حرب إلا وأشعلت الكراهية نيرانها، ولم تُهدم حضارة إلا حين تخلّت عن جوهرها الإنساني.. لسنا مطالبين بأن نحب العالم بأسره، بل أن نكبح جماح الشر فى داخلنا وحولنا، فحين يخفت صوته وتغل يده، تبدأ الأوطان رحلة التعافي، ويستعيد الإنسان حقه فى الحياة والأمان.

الكراهية سلاح خفي، لكنه شديد الفتك، وكم من دول تفككت، وشعوب تشردت، لأن عقولًا امتلأت بالحقد والغل، فالذى يقتل أبناء وطنه، ويفجر منشآته، ويحرق ممتلكاته العامة والخاصة، لم يولد مجرمًا، بل جرى تشكيله وتحويله إلى آلة مبرمجة بالكراهية، يبدأ الأمر بفكرة ثم خطاب ثم فعل، حتى يصبح الدمار هدفًا.

والإرهابيون يدركون خطورة هذا السلاح ويزرعونه مبكرًا، يقولون: «علّموا أبناءكم أن يكرهوا وطنهم منذ الصغر»، ويكبر الطفل وهو يرى وطنه عبئًا لا نعمة، وعدوًا لا حضنًا، فى المدرسة يمنع المتطرفون تحية العلم، لأنهم يريدون قتل المعانى التى يحملها: التضحية، الفداء، الدفاع عن الأرض والعِرضً، فحين يرتفع العلم، ترتفع معه قيمة الانتماء.

المأساة الحقيقية تكمن فى الخطاب المتطرف الذى يختزل الدين فى القسوة والتشدد، سالخاً إياه من جوهر السماحة والوسطية.. هذا التزييف الممنهج لم ينتج إلا جيلاً ممسوخ الوجدان، يرى فى العنف لغةً وفى الإرهاب رسالة، متخذين من عباءة الدين غطاءً لجرائمهم، بينما الحقيقة هى أن شريعة الإسلام تتبرأ من جرائمهم، ومن كل قطرة دم يسفكونها باسمه.

شتان بين من يكتب تاريخ وطنه بدمائه تضحية وفداءً، ومن يلطخ وجه التاريخ بخيانة تبيع العرض والأرض، وهى الفجوة بين عقيدة الحب ومعول الكراهية، وبينما يزرع البطل الأرض لتنبت فخرا وعزا، يعيث الإرهابى فيها فسادًا، مفجرا لدموع الثكالى ورائحة الموت، الأول هو شريان الحياة، والثانى هو حفار القبور.

وتصل الكراهية إلى ذروة بشاعتها حين تزرع وهماً فى العقول بأن حب الأديان لا يجتمع مع حب الأوطان، وكأن الايمان يقتضى التنكر للأرض، وبهذا الزيف يُدفع بالناس إلى صحارى الأيديولوجيات المظلمة، ليستبدلوا عمارة الأوطان بساحات الخراب، لتصبح استراتيجية ممنهجة للإقصاء، وإرادةً واعية لسحق الوجود.

مقاومة الكراهية تبدأ بالعودة إلى جوهر الأديان، الأخلاق والسماحة والاعتدال واحترام الإنسان، فالأوطان لا تُبنى بالسلاح بل بالمحبة واحتواء الجميع، والعمل المشترك بإخلاص، وحين تُهذَّب النفوس، وتُدرَّب على احترام الآخر، تخفت نيران العنف، وما من حرب اشتعلت إلا وكانت الكراهية وقودها، ولا حضارة سقطت إلا بعدما فقدت إنسانيتها، وحين يصمت الشر تتعافى المجتمعات .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية