تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الفوضى الرقمية وثقافة الصراع !

الفوضى الرقمية وثقافة الصراع !

يكفى أن نتأمل فى بعض القضايا المأساوية التى حدثت مؤخرًا، مثل قتيل المنشار وبلطجية الشوارع والفتيات المنتحرات بحبة الغلة بعد تعرضهن للتشهير بنشر صور مفبركة فى قرى ومجتمعات ريفية محافظة، وهذه القصص المؤلمة وغيرها تكشف مدى خطورة سلاح الفوضى الرقمية.
والأخطر أن هذه الحملات لا تتورع عن انتهاك حرمات الأسر والتشهير بالأبرياء، وتلطخ السمعة وتنشر الأكاذيب، فى معارك لا يخرج منها أحد منتصرًا، لأن الجميع فيها خاسرون.
مصر فيها عشرات الملايين من الحسابات على موقع «فيس بوك»، والغالبية العظمى من المصريين تمتلك أداة شديدة التأثير، يمكن أن تكون وسيلة للبناء أو سلاحًا مدمرًا إذا أسيء استخدامها، وكثيرون يستخدمونها استخدامًا خاطئًا، حتى أصبحت مصدرًا للتدهور الأخلاقى وانتشار السلوكيات الضارة، فغابت القيم وسادت الفوضى.
ويحترف البعض إيذاء النساء وابتزازهن عبر الإنترنت، وكل يوم فضيحة جديدة أو قضية «ترند» تشعل مواقع التواصل، يتسابق الناس على متابعتها والتعليق عليها دون وعى أو تحقق، بينما القضايا الجادة التى تمس حياة المواطن لا تجد من يهتم بها، لأنها لا تحقق الإثارة المطلوبة، وسيطرت «سياسة القطيع» على السوشيال ميديا، وأصبح الناس ينساقون وراء الشائعات والانفعالات دون تفكير.
أما «الكتائب الإلكترونية» فهى من أهم أسباب سبب الفوضى الرقمية، وهى جماعات منظمة وممولة يديرها أشخاص لتحقيق أهداف خاصة، وتخوض معارك رقمية ضد آخرين، وتستغل الفضاء الإلكترونى فى تصفية الحسابات الشخصية والسياسية.
تبدلت لغة الحوار إلى ثقافة الصراع، وأصبح كثيرون يتعاملون مع الكلمة كسلاح، يطلقون الاتهامات دون دليل، وينصبون أنفسهم قضاة يحاكمون الآخرين من وراء الشاشات، وتحولت القضايا العامة إلى قنابل موقوتة، وامتلأت الصفحات بالتراشق والتخوين والسب، حتى صرنا أمام مجتمع افتراضى يغلى بالغضب والعداء، يغيب فيه صوت العقل والمنطق، ويغيب معه الاحترام المتبادل.
ويبقى السؤال: ما الحل؟
الطريق إلى الإصلاح يبدأ بالوعى والقانون.. الوعى هو الدرع الأول الذى يحمى المجتمع من الانزلاق، ويقوم على إعادة إحياء القيم الأخلاقية والإنسانية، وتربية النشء على المسئولية الرقمية، ليعلم كل فرد أن فى يده سلاحًا قويًا، إما أن يستخدمه للخير أو للشر، علينا أن نزرع ثقافة احترام الخصوصية، والتأكد من المعلومات قبل نشرها، وأن نعى أن الكلمة قد تقتل كما قد تبني.
أما القانون فهو السيف العادل الذى يردع من يسيء الاستخدام، ويجب نشر الثقافة القانونية بين الناس، وتعريفهم بالعقوبات المقررة للجرائم الإلكترونية، وضمان سرعة تنفيذ الأحكام حتى لا يفلت الجناة من العقاب، وحين يدرك المسيء أن العقوبة حقيقية وسريعة، سيفكر ألف مرة قبل أن يرتكب فعلته.
حماية المجتمع من الفوضى الرقمية واجب وطنى وأخلاقي، ولن يتحقق إلا بتكامل الوعى مع القانون، حتى تتحول وسائل التواصل الاجتماعى من مصدر فتنة ودمار إلى منبر للتعبير الراقى والتواصل الإيجابى وبناء مجتمع أكثر وعيًا.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية