تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الفن.. بين رسالة البناء وعبثية الهدم!

الفن.. بين رسالة البناء وعبثية الهدم!

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتجدد الآمال فى أن يشهد هذا الموسم الدرامى انطلاقة جديدة لفن هادف، يعيد للشاشة الصغيرة بريقها كـ»الحارس الأمين على ضمير المجتمع»، فن يقدم قضايانا بتجرد وواقعية، بعيداً عن المبالغات والتشويه والابتذال والعنف، وتقديم الجريمة فى صورة بطولات زائفة.
الفن فى جوهره الأصيل رسالة سامية ضد القبح، وصوت نقى يقاوم ضجيج الحياة، وحين يتخلى عن هذه الرسالة، ويغرق فى طقوس مشوهة، يتحول من أداة بناء إلى سلاح هدم، وليست كل شهرة تحمل قيمة، ولا كل نجم يرتقى لمقام الفنان الحقيقي.
كان الفن المصرى عبر عقود من الزمن أحد أقوى أذرع القوة الناعمة، ممتداً بتأثيره إلى ما وراء الحدود الجغرافية، لم يكن مجرد مشاهد تُعرض لتسلية المشاهدين، بل رسالة سامية تتخطى الترفيه إلى التأثير الإيجابى فى الوعى الجمعي، وإشاعة الأمل.
الفن الأصيل صنع مجد مصر كمنارة ثقافية، من خلال رموزه العظام، أمثال حسين صدقى وأنور وجدى وعماد حمدى الذين جسدوا رجولة ووقار الزمن الجميل، وأكمل المسيرة أحمد مظهر ورشدى أباظة بروح العصر وصورته الراقية.
كان فؤاد المهندس تعبيرا عن الموظف البسيط بكل ما يحمله من هموم وأحلام، ورسم عادل إمام بضحكته عمق وإنسانية الطبقة الكادحة، أما عبد الحليم حافظ فقد جعل من الحب قصيدة أناقة ورقَّة، واختار كلماته كما يختار جوهرة من كنز العواطف، ليكون معشوق جيل كامل ورمزاً للرومانسية النبيلة.
ولا يمكن لأى حديث عن الفن المصرى الأصيل أن يكتمل دون ذكر أم كلثوم، سيدة الطرب والوقار، التى تسلل صوتها إلى الأعماق، معبراً عن أرقى المشاعر وأسماها، فجمّلت وجدان أجيال بأكملها.
لا مقارنة بين هذا الإرث العظيم وما يقدمه البعض من أعمال تشوه الذوق العام، ويقلدها الشباب، ليس فقط فى المناطق العشوائية، بل حتى طلاب الجامعات الخاصة و»أبناء الذوات» فى مظاهر العنف والاستسهال والانحدار!
للفن دور محورى فى أوقات الأزمات ومواجهة موجات التطرف والتعصب، ووقف الفنانون والمبدعون فى الصفوف الأمامية، مستخدمين آلاتهم وألحانهم وكاميراتهم لمقاومة الظلام بالفكر، ونشر الوعى والتسامح بدلاً من الكراهية والانغلاق، وقدّمت الدراما والسينما والمسرح أعمالاً خالدة سلطت الضوء على قضايا مجتمعية حساسة، وفتحت باب النقاش حول مفاهيم الهوية والانتماء والعدالة الاجتماعية.
الحفاظ على هذه الرسالة الفنية السامية وتطوير أدواتها بما يتناسب مع روح العصر، يمثل واجباً وطنياً وأخلاقياً، يضمن بقاء مصر فى صدارة المشهد الثقافى العربي، فالفن الحقيقى لا يكتفى بتوعية المشاهد، بل يملك قدرة استثنائية على الارتقاء بالمشاعر والأحاسيس، وتحريض الإنسان على القيم الجميلة.
رمضان القادم فرصة ذهبية لاستعادة هذا الدور، فلنجعل من الدراما والمسلسلات التى يجرى التجهيز لها الآن، نافذة نحو فن نظيف، يليق بتاريخ مصر وعراقتها، ويعيد للفن أهدافه الحقيقية: رسالة البناء لا الهدم.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية