تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الفتن الدينية تبدأ من هنا !

الفتن الدينية تبدأ من هنا !

حين يُوظف الدين ليكون أداة فى صراع على السلطة، وحين يسعى البعض إلى الحكم بالأديان، تنقلب رسالتها من الهداية والرحمة إلى الصراعات والفتن، ويُراق الدم ويُستباح المال والعِرض، تحت لافتات زائفة تُنسب إلى الإسلام، بينما جوهره الحقيقى هو تقديس الحياة وصون كرامة الإنسان.

جاء النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم، «ليتمم مكارم الأخلاق»، ورسالته الصدق والأمانة والوفاء، ومحاربة الغدر والكذب والخيانة، ومع ذلك ابتُليت الأمة فى مراحل مختلفة بمن يُغلّب الأطماع على الأخلاق، وأنماط من السلوك تناقض صميم الرسالة المحمدية.

وبدلاً من مواجهة الجاهلية الجديدة، التى تتجلى فى التعصب والكراهية والفوضى، اندفع بعض المتطرفين إلى إعادة إنتاج جاهلية أشد خطراً، باسم الدين تارة، وباسم حماية «الثوابت» تارة أخرى.

وما تحقق للإسلام من انتشار وتأثير حضارى عظيم لم يكن بالسيف ولا بالقوة، بل بالعقل والحكمة والقدرة على تقديم نموذج أخلاقى رفيع، وبنيت الحضارة الإسلامية على إعلاء قيمة الإنسان، وتعميم العلم، وإرساء العدالة، وإشاعة الرحمة.

هذه المبادئ هى التى أقنعت شعوباً كثيرة باعتناق الإسلام، لا أسنة السيوف ولا القوة الغاشمة، ولكن حين تتراجع الأخلاق، ويتصدر المشهد من يوظفون النصوص الدينية خارج سياقها، يبدأ المجتمع فى الارتداد نحو الخلف، وكأنّه يعود طواعية إلى كهوف مظلمة كانت الرسالة النبوية قد أخرجته منها.

أخطر ما يسيء إلى الإسلام اليوم ليس العدو الخارجى، بل ممارسات المتطرفين الذين يصرّون على إلصاق أفكارهم الضيقة بالدين، فالمسلم العادى لا يريد من دينه سوى الاقتداء بخلق النبى، صدقٌ لا كذب وأمانة لا خيانة، غير أن الصفات السيئة أصبحت من أبرز أسباب صور البلاء الذى يضرب صورة الإسلام والمسلمين، سواء فى الداخل أو فى أعين العالم.

وتتفاقم المشكلة حين يصبح الدين وسيلة لمطامع شخصية، فيتجرأ بعضهم على إصدار فتاوى بلا علم، أو ادعاء الوصاية على الإسلام بلا مؤهل، ومن يستخدم الخطاب الدينى لتحقيق نفوذ اجتماعى، أو لجمع الاتباع أو لكسب المال أو لصناعة شهرة سريعة.

وتنتشر نماذج عديدة لدعاة بلا منهج علمى راسخ، يعممون خطاباً يسيء للدين أكثر مما يخدمه، ويخلقون بلبلة بين الناس.

ومن هذا المنطلق يمكن فهم رفض قطاعات واسعة من المصريين للجماعات التى حاولت توظيف الدين لتحقيق مكاسب سلطوية، فالصراع على الحكم حين يتخفى بغطاء دينى يصبح أكثر تدميراً، لأنه يشق المجتمع ويحول الاختلاف السياسى إلى مواجهات دموية.

أثبتت التجربة أن «جماعة» مهما بلغ تنظيمها لا يمكن أن تنتصر على «شعب»، وأن العنف المسلح لا يمكنه إخضاع دولة تمتلك مؤسسات راسخة وجيشاً محترفاً، ودماء الشهداء تُقوّى عزيمة الشعوب وترسّخ الرفض لأى محاولة لابتزازها باسم الدين وتهديد وحدتها الوطنية.

ويظلّ الدرس الأهم أن صون الدين يتمّ بإبعاده عن صراعات السلطة، وأن قوة المجتمعات تُبنى بالوعى والأخلاق، لا بالشعارات ولا التلاعب بالأديان .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية