تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الرئيس وصناعة التوازن الإقليمى

الرئيس وصناعة التوازن الإقليمى

الرؤية المُنصفة تقتضى بأن نقرأ الدور الذى يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى إرساء استراتيجية استبقاء الأمل فى زمن الانفجار، وإعادة الروح للقضية التى كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكان مؤتمر السلام فى شرم الشيخ محطة فاصلة، أعادت تعريف مًن يمتلك شرعية المبادرة، ومن يكتفى بالتعليق على الخراب.

أدركت مصر مبكرًا أن الحرب فى غزة ليست صدامًا محدودًا، بل بوابة مفتوحة على فوضى إقليمية، ومن هنا جاء التحرك المصرى كخط دفاع أول، لا عن حدود الدولة فقط، بل عن فكرة الدولة ذاتها، وحين اختار البعض، الاستثمار فى النار، اختارت مصر سياسة حماية الأبرياء وحقن الدماء، وأن السلام يحتاج لسلاح يحميه، ويُصان بالحكمة والقدرة على قراءة اللحظة دون انفعال.
 

والدبلوماسية المصرية لا تُدار من خلف المكاتب، بل من خطوط التماس السياسية، حيث تشتبك القاهرة مع كل خيوط الأزمة، وتعيد ترتيب الطاولة التى بعثرها الآخرون، وفتحت قنوات الحوار مع الجميع دون أن تنحنى لأحد، واستبقت الآخرين بخطاب متماسك يرفض المزايدة، ويُعيد الاعتبار لصوت العقل فى زمنٍ تتكاثر فيه الصيحات الصاخبة بلا رؤية.

وما يفعله الرئيس السيسى، ليس مجرد وساطة، بل هندسة جديدة لمعادلة التوازن الإقليمي، إدراكًا بأن تثبيت منطق الدولة يتطلب أدوات ردعٍ سياسية لا تقل قوة عن أدوات الحرب، ولم يكن المؤتمر الذى استضافته شرم الشيخ فقط نداءً لوقف النار، بل تأسيس لتحالف من الإرادات الرشيدة، يُواجه منطق الفوضى، ويُعيد إلى المشهد العربى ملامحه التى كادت تتلاشى.

ومَن يتأمل الموقف المصرى منذ بداية الحرب فى غزة، يكتشف أن الإنسانية ليست شعارًا بل ممارسة، وفتح المعابر واستقبال الجرحى وتحريك المساعدات لم يكن عملًا إنسانيًا فحسب، بل موقف أخلاقى لدولة تعرف معنى مسئوليتها التاريخية تجاه فلسطين والعرب.. مصر لا تبيع المواقف ولا تُتاجر بالمآسي، بل تضع الإنسان فى قلب القرار، وهذا ما يُمَيِّزها عن سواها.

وتتميز النظرة المصرية بالشمولية لما يحدث بالمنطقة، وتدق دائمًا أجراس الإنذار قبل الانفجار، وهذا مسلكها فى تداعيات الأحداث بالسودان وليبيا ولبنان وغيرها، من عاصمةٍ تقرأ المشهد بعيون الخبرة لا بالعواطف، وتعرف أن الحرب ليست بطولة، وأن الكلمة الواعية أحيانًا أشجع من الرصاص الطائش.

والدور المصرى ليس طارئًا، بل عودة طبيعية إلى مكانها فى معادلة الأمن العربي، فهى لا تنتظر تعليمات ولا تتأرجح بين محاور، بل تمضى بثقة وهدوء فى طريق تعرفه جيدًا، الدفاع عن منطق الدولة، وعن حق الشعوب فى السلام، وعن سيادة القرار الوطنى فى وجه الفوضى العابرة للحدود.

وهكذا تمضى مصر، لا كوسيطٍ يبحث عن مجد شخصي، بل كدولة تعرف قدرها، وتؤمن بأن السياسة ليست إدارة أزمات فحسب، بل صناعة توازن يحمى الوجود نفسه، فى زمن تتناسل فيه الحروب وتذبل فيه الأصوات.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية