تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الرحلة الأخيرة من القاهرة إلى طرابلس!

الرحلة الأخيرة من القاهرة إلى طرابلس!

كنت ضمن ركاب آخر طائرة أقلعت من القاهرة إلى طرابلس ليلة 30 مارس 1992، قبل فرض الحصار على ليبيا، بسبب اتهامها فى تفجير طائرة لوكيربى الذى راح ضحيته 270 راكبًا.

ضمت الرحلة وفدًا سياسيًا وإعلاميًا كبيرًا، وأذكر منهم الفريق أول محمد فوزى وسامى شرف وأحمد حمروش وعبد الله إمام وحمدين صباحى ومجدى أحمد حسين وأسماء أخرى كثيرة من أبرز الشخصيات فى ذلك الوقت.

عندما جاءت الساعة التاسعة مساء، أغلق قائد الطائرة البولندى الأبواب، وأمر بقية طابور الركاب بالرجوع واستعداده للإقلاع حتى يصل طرابلس الثانية عشرة مساء قبل فرض الحظر، وأقلع على الفور، ووصلنا قبل الحظر بدقائق، وتوقف سير الحقائب وتم نقلها يدويًا.

كانت ليبيا أيام القذافى العدو رقم واحد لأمريكا، ومنذ ذلك التاريخ تقرر الإطاحة بنظام القذافى، ولكنه نجا من الاغتيال فى الغارة الجوية على بيته فى باب العزيزية عام 1986، قبل حادث لوكيربى بسنتين الذى وقع 1988، وكان النظام العالمى فى ذلك الوقت يسمح بالمناورة فى العلاقات الدولية.

وكانت تلك السنوات بداية انفراد أمريكا بتقرير مصير العالم، وتأديب من يخرج عن طاعتها بالحصار أولًا ثم بالقوة العسكرية، وحدث الأمران مع ليبيا:

بدأ الحصار 1992 حتى 2003، ونجم عنه إضعاف ليبيا رغم ثرواتها البترولية الهائلة، وتم حظر شرائها أسلحة ومعدات عسكرية وحظر جوى كامل وحظر بيع البترول وتجميد الأصول فى الخارج، وأصيب الاقتصاد الليبى بالشلل التام.

وكانت تلك الفترة أيضًا آخر سنوات ما يسمى التضامن العربى، وظن القذافى أن المؤتمرات الجماهيرية والمظاهرات الحماسية يمكن أن تخفف عنه رغبة أمريكا فى الانتقام، واستقبلت بلاده مئات الوفود من مختلف دول العالم الذين جاءوا لمناصرته.

وبعد عشر سنوات كاملة من الحصار اضطر القذافى إلى تسليم المتهمين لمحاكمتهم فى هولندا، ودفع تعويضات لأهالى الضحايا 2.7 مليار دولار، واعترفت بتحمل المسئولية دون الاعتراف بأنه أصدر الأوامر، وتم رفع الحظر عام 2003.

كنت محظوظًا بمتابعة القضية وتكررت زياراتى لليبيا مع عديد من الوفود، وكان السؤال الذى يراودنى دائمًا: هل تستطيع المؤتمرات الشعبية الوقوف فى وجه القوة العسكرية؟.

سمعت أعظم ما قيل من خطب وعبارات مثل: الصمود أو الموت، نموت ولن نسلم المتهمين، الحصار لن يكسر إرادتنا، أمريكا هى الشيطان الأكبر، بريطانيا رأس الأفعى، سننتصر عليهم.. ووصل المد الحماسى ذروته.

ومن 2003 حتى 2010 تم بث بذور فوضى الربيع العربى فى الدول المستهدفة، أو ما يسمى دول «الثورة» العربية، وكانت بالترتيب: تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا، وقبلها بسنوات تم ضرب العراق، ولم يقترب الربيع العربى من الأنظمة الملكية.

تم استبدال «الثورات الشعبية» بـ «الحروب الدينية»، واختفى الثوار والمناضلون العرب، وحل محلهم زعماء الميليشيات الدينية، ودخلت الدول والشعوب أنفاقًا مظلمة، وبعضها لم يخرج منها حتى الآن.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية