تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > كرم جبر > الأغاني الوطنية..حكايات عشق خالدة !

الأغاني الوطنية..حكايات عشق خالدة !

أحيانًا يكون الفن سلاحًا ناعمًا أقوى من الأسلحة الخشنة، وتكون الكلمات أقوى من الرصاص والموسيقى أشد من أزيز الطائرات ،ولعب الفن المصرى دور الحارس الأمين على حدود المشاعر الوطنية.

تراجع هذا الدور ووصل إلى حد الجفاء، ولم تعد الأغاني الوطنية قاسمًا مشتركًا على الشفاه وفى القلوب ، وإذا يراودنا الحنين نعود إلى أغانى الماضى، ونحتمى بألحان صنعت ذاكرة الوطن .
 

في زمن مضى كانت الأغنية الوطنية تحل محل الخُطب والنشرات، وتملأ القلوب قبل الآذان، كان عبدالحليم حافظ زعيمًا للثورة بأغانيه كما كان عبدالناصر زعيمًا بشعبيته، وكانت أم كلثوم تُلهم الجماهير كما تُلهم القادة، ومحمد عبدالوهاب يُرابط فى محراب الفن كما يُرابط الجندى فى خندقه.

لم يكونوا مجرد فنانين بل عشّاقًا حقيقيين لمصر، حملوا رسالتها فى أصواتهم، ورسموا ملامح وجدانها بألحانهم ،وغنّوا للمجد وردد الشعب معهم النشيد فى لحظات الفرح، واستلهم منهم القوة في، وكانت ألحانهم طوق نجاة فى الأزمات، وصوتًا وطنيًا موحدًا يجمع المصريين على قلب واحد.

وحين غنى عبدالحليم «وصحيت على ثورة بترج الدنيا»، لم تكن كلمات بل كانت صوتا يشعل الأمل فى النفوس ،وعندما أنشد «خلى السلاح صاحي»، كانت نداء لم يُغلق عينه حتى تحقق النصر.

وأم كلثوم حملت مصر فى صوتها، وصدّرت صورتها الحضارية إلى العالم ، وأتذكر أننى كنت فى احتفال رسمى فى بغداد، وسمعت فى القاعة أغنيتها الخالدة «بغداد يا قلعة الأسود»، فبكيت من فرط الحنين، وكأن الزمن عاد إلى ١٩٥٨حين قدمت هذا اللحن هدية من جمال عبد الناصر أثناء زيارته للعراق الشقيق. ً كان محمد عبد الوهاب يطل علينا كل عام فى أعياد الثورة بصوته الوطنى الشجى، يغنى لـ«الوطن الأكبر» من المحيط إلى الخليج، ويلحن أناشيد المجد العربى والانتصارات، فتنتشى بها الشعوب وتتوحد الأحلام، واليوم ونحن نعيش زمن الانكسارات، نتذكر تلك الألحان بحسرة، كأنها مرآة تعكس حجم الفارق بين زمن الحلم وواقع الهزيمة.

والقائمة لا تنتهي: محمد قنديل، فايزة أحمد، شادية، نجاة، محمد فوزي، وآخرون.. طابور طويل من عشاق الوطن، أدركوا أن الفن رسالة، وأن الوطن لا يُخاطَب إلا بلغة العاشقين.

لم تكن الأغاني الوطنية يومًا ترفًا عابرًا أو مجرد لحن يملأ الفراغ بين فاصلين إذاعيين، بل كانت دروسًا فى الوطنية تُلقى على مسامع الشعب فى هيئة نغم، وتُحفظ فى الصدور قبل الدفاتر ،وهى حكايات عشق كتبها العظماء فصارت الحانا يسكن الوجدان، وجدارًا عازلًا بين الأجيال وقوى الشر.

مصر لم تكن مجرد وطن نغنى له، بل وطن يغنى بنا، وطن تحفظه ذاكرة الأغنية قبل كتب التاريخ، وتُؤرخ له النوتة الموسيقية ، ومن يشكك فى عشق المصريين لأرضهم، لا يعرف أن الوطن محفوظ فى طبقات الصوت ونبض الإيقاع، ودمعة تنزل كلما سمعنا «وطنى حبيبى الوطن الأكبر».

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية