تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
التسوّل وإدمانه (١)
في زيارة للقاهرة من أحد علماء دولة آسيوية تعلم في مصر سألني هل هناك أزمة اقتصادية لديكم فاستغربت السؤال من رجل مهتم بالفكر الديني ولا يشغل باله بالسياسة أو الاقتصاد، فكان ردي بسؤال آخر قائلًا لم تقول ذلك ؟ فقال: كثافة المتسولين صارت كبيرة بشكل ملفت بالنسبة لما كانوا عليه أيام وجودنا في القاهرة وفي كل مكان ذهبنا إليه.
والحق أن ملحوظة الضيف في محلها فالمتسولون في كل مكان وطرقهم في التسول كثيرة بل لكل متسول منطقته التي يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة حتى صار للتسول نظام فيما بينهم وصار المتسول يحمي نفسه ويعرف إلى من يتجه ليحميه وإلى من يدفع الإتاوة، بل صار لبعضهم حراسًا مثل الممثلين والشخصيات التي تخشى على نفسها بشكل أو بآخر .ما أقوله ليس جديدًا فهو موجود منذ زمن بعيد ومن قرأ تحقيقات الصحفي الكبير عبد العاطي حامد في جريدة الأخبار والتي طبعت بعد ذلك في كتاب تحت عنوان "في قاع المدينة" يقف على هذا النظام وهناك صحفيون كثر قاموا بتحقيقات مشابهة بعد ذلك.
لكن الذي اتحدث عنه والجديد هو هذه الكثافة الكبيرة وكذلك الفئات الجديدة التي دخلت هذه المهنة واتجاه بعض فئات الهجرة الريفية إلى المدينة خاصة النساء إلى التسول وليس العمل فضلًا عن قبول المجتمع لهذه المهنة أو بمعنى أوضح عدم مقاومة الإدارة الحكومية لهذه الظاهرة التي تشوه صورة مصر وتؤذي المشاعر وتثير الغضب والقلق أيضا كما ذكر الزميل موسى الكومى في بوست له.
والحق أن نسبة كبيرة من المتسولين من والمحتالين دخلوا هذا المجال بعد أن وجدوه أسهل الطرق للثراء السريع وعدم وجود من يتعقبهم بالحساب ونسبة منهم ليست قليلة ألجأتهم الظروف الاقتصادية لذلك ولم تجد من يتعقبها بالحلول التي تحمي ماء وجهها من الإراقة.
ومن نافلة القول أن نذكر أن المجتمعات المتحضرة لا تترك هذه الظاهرة تتفشى دون أن تضع العلاج الناجع سواء بالحساب أو بالعلاج وتقديم الحلول وقد كان سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أول من عالج التسول حين وجه أحدهم الى العمل لأنه قادر على العمل بل حدد له ما يعمل ولم يكتف بالتوجيه الكلامي وإنما قدم الحل وشارك في تنفيذه ووضع خطة عمل لمدة خمسة عشر يوما يعود إليه الرجل ليرى أثار هذا العمل على حياته ثم يعلن قاعدة جديدة تحدد ثلاث فئات يحق لها ان تتسول في هذا الدين وهذه الأمة الجديدة بل قاعدة تصلح للامم جميعا.
كما قام سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه منظم إدارات الدولة الإسلامية الجديدة بوضع أول معاش للتقاعد في العالم أجمع حين قابل يهوديًا مسنًا يتكفف الناس فسأله لم ؟ فأخبره أنه يتسوّل ليدفع الجزية المقررة عليه مقابل الحماية والدفاع عنه فالغي سيدنا عمر عنه وعن أمثاله الجزية وقرر له عطاء سنويا ( فالعطايا كانت سنوية ) من بيت مال المسلمين يكفيه مذلة السؤال وقال قولته العظيمة "ما أنصفناك أخذنا منك شابًا ثم نضيعك شيخًا" .
كما وضع الفاروق قبل ذلك نظام الضمان الاجتماعي الذي يحمي من لا يستطيع العمل من اللجوء للتسول أيضا وانظمة كثيرة دفعت المؤرخين إلى اعتباره المؤسس الحقيقي للدولة الاسلامية بعد أن قعد القواعد ونظم الاقتصاد والادارة ودوّن الدواوين وغيرها من أدوات بناء الأمم.
وفي مصر ـ يذكر كتاب " بيوت القاهرة ..ترحال في حكايا الحجر " للكاتبة ياسمين عبد الله الذي طبعته دار المعارف- أن السلطان بيبرس البندقداري أمر بجمع أصحاب العاهات والمتسولين الذين لا يملكون مسكنا بالقاهرة ووضعهم بخان السبيل بالحسينية قبل أن يامر بنقلهم إلى الفيوم ثم إنه أوقف أراضي بلدة كاملة للصرف عليهم لكنهم بالوقت استطاعوا التسلل والعودة الى القاهرة وأحيانا كانت الدولة توزع المتسولين والفقراء على امراء الدولة والتجار لإعالتهم وإعانتهم مثلما فعل السلطان شعبان في عام ١٣٦٩م حينما امر مماليكه وكبار التجار بإعانتهم ثم امر مناديا ينادي في شوارع القاهرة ألا يتصدق احد على متسول .وفي زمن العثمانيين امر الوالي إسماعيل باشا بالشىء نفسه عام ١٦٩٤م بل خص نفسه بمساعدة وإعالة بعض هؤلاء وفي عام ١٨٠٠م تم جمع المتسولين في أماكن محددة وأسند أمر إعالتهم إلى الأوقاف ،وفي عهد محمد على كانوا يجمعون المتسولين ويدربونهم على الحرف في المصانع يوفرون لهم السكن الطعام والراتب" .
وبعد فهل نستطيع أن نفعل مثل ما فعل السابقون في مواجهة هذا السرطان البشع والذي يحقق الثراء دون جهد وأصبح صناعة مقلقة؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية