تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

قمة التوازنات

تعقد القمة العربية اجتماعا طارئا فى الرياض السبت المقبل لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلى على غزة، وتنسيق المواقف بهذا الصدد، وهى المرة الأولى منذ سنوات التى تجتمع فيها القمة العربية فى ظل أزمة بالغة الصعوبة والتعقيد، نظرا للتشابكات الإقليمية والدولية المرتبطة بها، وكذلك المصالح المتداخلة بين أطراف الأزمة.

 

والبعض يرى أن القمة المرتقبة تعقد فى توقيت متأخر وبعد مرور شهر على العدوان الإسرائيلى ضد الفلسطينيين فى غزة، لكن آخرين يرون أن تعقيدات الأزمة والتشابكات المرتبطة بها كانت تستلزم جهدا دبلوماسيا كبيرا مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، من خلال اللقاءات والاتصالات الثنائية، والاجتماعات الموسعة مثل اجتماع عمان الذى شارك فيه وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والإمارات وممثل عن السلطة الفلسطينية، والتقوا بعد ذلك وزير الخارجية الأمريكى بلينكن، إلى جانب التحركات الدبلوماسية فى الأمم المتحدة، سواء عبر مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وكله بهدف محاولة الوصول إلى حل متوازن يمكن أن توافق عليه الأطراف الأساسية ويؤدى إلى وقف القتال، وأن هذا الجهد أدى بالفعل إلى حلحلة بعض المواقف الغربية خاصة مع استمرار المذابح الإسرائيلية ضد المدنيين فى غزة، التى شكلت صورها ضغطا كبيرا على الرأى العام العالمى رغم الانحياز السافر لصالح إسرائيل من جانب معظم وسائل الإعلام الغربية.

وعلى ضوء التشابكات الكثيرة المرتبطة بالصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وعدم قدرة معظم الدول العربية على استخدام القدرات المؤثرة الموجودة لديها والتى يمكن أن تشكل آليات ضغط قوية على الولايات المتحدة وأوروبا مثل النفط وصفقات السلاح الضخمة والعلاقات الاقتصادية وغيرها، يمكن أن نصف قمة الرياض الطارئة بأنها قمة التوازنات، ما بين العمل على وقف القتال وحماية الشعب الفلسطينى، وبين عدم التأثير على المصالح المتبادلة بين الدول العربية والغرب الداعم لإسرائيل، وسط ضغوط شعبية ضخمة من الرأى العام العربى والإسلامى الغاضب بشدة من المذابح الإسرائيلية ضد أبناء غزة.

ويتزامن انعقاد القمة العربية الطارئة مع انعقاد القمة العربية ـ الإفريقية فى الرياض ايضا، والمحدد مودها سلفا، ويمثل ذلك فرصة لدراسة الأمر مع الدول الافريقية وتنسيق المواقف تجاه القضية الفلسطينية.

والحقيقة أن أحد أسباب أهمية القمة الطارئة، انها تمثل موقفا عربيا موحدا وفاعلا تجاه القضية الفلسطينية، وهو أمر ضرورى حتى لاتتحكم أى قوى إقليمية فى مسار القضية، وتعطى لنفسها حق التحدث باسم الفلسطينيين، مستغلة ارتباطها القوى ببعض الفصائل الفلسطينية، وهو موضوع فى منتهى الخطورة لأنه قد يحول القضية الفلسطينية إلى مجرد ورقة بيد هذه القوى الإقليمية تستخدمها لتحقيق أغراضها والدفاع عن مصالحها.

وأمام القمة الطارئة عدة ملفات مهمة تركز عليها، منها التوصل إلى موقف عربى موحد من العدوان على غزة، تجنيد الإمكانات اللازمة لذلك، وبما يحقق سرعة إيقاف القتال فورا، لحماية المدنيين فى غزة من المجازر الوحشية وعمليات الإبادة التى يتعرضون لها، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وهو الموقف الذى بدأ يدعو إليه حتى المسئولون الغربيون، مثل وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التى كررت دعواتها إلى هدنة إنسانية فورية فى غزة، وهى هدنة قالت إنها لابد أن تمكن من الوصول إلى وقف لإطلاق النار، واحترام القانون الدولى وتوفير الاحتياجات الأساسية مثل المياه والصحة والطاقة والغذاء، مضيفة أن عددا كبيرا جدا من المدنيين استشهدوا فى الضربات الإسرائيلية، ويتعين حماية المدارس والمستشفيات والعاملين بالإغاثة الإنسانية والصحفيين.
كما أن القمة العربية الطارئة سيكون لها موقف موحد حاسم ضد محاولات تهجير الفلسطينيين، سواء فى غزة أو الضفة الغربية إلى دول الجوار، وهو مخطط قديم وبدأ التفكير فيه منذ بداية السبعينيات، حيث سعت تل أبيب لترحيل الآلاف من فلسطينيى غزة إلى شمال سيناء، لكنه توقف بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، ونجاح مصر فى استعادة أراضى سيناء، وأعيد التفكير فيه بصورة أخرى جدية فى بداية عام 2000، حيث اقترح الجنرال الإسرائيلى غيورا إيلاند، الذى شغل منصب رئيس قسم التخطيط فى الجيش الإسرائيلى ورئيس مجلس الأمن القومى، تطوير المقترح - الذى سُمى باسمه - تنفيذ المخطط اعتبارا من عام 2005، وسبق أن أعلن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أن بنيامين نيتانياهو جدد له اقتراح توطين الفلسطينيين فى سيناء لتخفيف العبء والتكدس السكانى فى قطاع غزة، لكن مبارك رفض بحزم، وفى عام 2018، وفى كلمة له أمام المجلس الوطنى الفلسطينى فى رام الله، كشف الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن أنه رفض عرضًا من الرئيس المصرى الإخوانى الأسبق محمد مرسى بالحصول على قطعة من سيناء لتوطين الفلسطينيين بها. وقد تتطرق القمة العربية الطارئة إلى مناقشة مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب، خاصة أن بعض الدول الكبرى بدأت فى طرح الأمر للنقاش، وطرحت تصورات بالفعل تحفظت عليها الدول العربية، وتتجه النية إلى تأكيد ضرورة عودة القطاع إلى حكم السلطة الفلسطينية، كما كان الحال قبل انقلاب حماس عليها عام 2007، لكن أنباء تسربت تؤكد أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس ربط الموافقة على هذا الاقتراح بأن يكون فى إطار العمل على تسوية سياسية للقضية الفلسطينية طبقا لحل الدولتين، خاصة أن الأزمة الحالية يمكن أن تتكرر كل فترة إذا لم يتم التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية.

لكن مراقبين يرون أن قمة الرياض الطارئة ستركز على البعد الإنسانى فقط، بالعمل على وقف القتال وتدفق المساعدات الغذائية والطبية والوقود إلى غزة، ولن تتطرق إلى أى قضايا سياسية أخرى نظرا لتعقد الوضع الحالى، وتشابك المصالح بين جميع الأطراف، والتوجه بهذا الموقف إلى المجتمع الدولى للمساعدة فى إجبار إسرائيل على تنفيذه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية