تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
صيف ساخن فى الشرق الأوسط
المتغيرات السياسية والمناخية المتسارعة التى يشهدها الشرق الأوسط الآن، تؤكد أن المنطقة فى انتظار صيف ساخن جدا على جميع المستويات والمجالات، مما يتطلب الاستعداد جيدا لمواجهة أى مفاجأة.
وإذا كانت الحرب الإسرائيلية على غزة هى المحور الرئيسى لكل ما يجرى فى الشرق الأوسط الآن، فإن بعض الأحداث التى تشد الانتباه قد لا يكون لها علاقة مباشرة بهذا المحور حتى لو بدا على السطح غير ذلك، فالتصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران ليس له علاقة بفلسطين أو غزة، بل هو جزء من الصراع بين مشروعين يسعيان للهيمنة على الشرق الأوسط، الأول هو المشروع الإسرائيلى الذى فرض وجوده بالقوة على معظم أراضى فلسطين، ثم واصل التهام باقى أراضيها عبر عمليات الاستيطان والتهويد، واحتلال مناطق من الدول المجاورة مثل هضبة الجولان السورية، ونجح فى التعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى بدعم امريكى وغربى كامل، ليقلصه إلى صراع فلسطينى إسرائيلى، ثم صراع حمساوى إسرائيلى، بعد أن اخترق الحصار العربى الذى كان مفروضا حوله وأقام علاقات بأشكال متنوعة، مع بعض الدول العربية دون أن يضطر لدفع الثمن الذى طرحته مبادرة السلام العربية وهو الجلاء عن الأراضى العربية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضى المحتلة عام 1967.
اما المشروع الثانى للهيمنة فهو المشروع الإيرانى التوسعى، الذى بدأ برفع الجمهورية الإسلامية فى إيران لشعار تصدير الثورة منذ عام 1979، واستغلت بعض التيارات الشيعية العربية الموالية لها فى تنفيذه، حتى وصل الأمر ببعض مسئوليها للتباهى بأنها تسيطر على صناعة القرار فى أربع عواصم عربية هى بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد، وتعتبر ذلك عمود الخيمة لمشروعها بالهيمنة على المنطقة العربية.
لم تتحرك إيران بنفسها لتحرير فلسطين والقدس التى تتحدث عنها دائما، حتى عندما اغتالت أمريكا ذراعها العسكرية الكبيرة قاسم سليمانى، وحتى القوى الموالية لها فى بعض الدول العربية عندما حاولت التحرك ضد أهداف إسرائيلية حرصت على أن يبقى الأمر مهما تكن الظروف فى إطار قواعد الاشتباك، ومن حاول الخروج عن تلك القواعد تعرض لضربات غربية أجبرته على التراجع، لكن إيران تحركت فقط بنفسها وتخلت عن شعار (الصبر الاستراتيجى) عندما تعرضت قنصليتها فى دمشق ـ وهى تعد أرضا إيرانية ـ إلى قصف إسرائيلى مباشر، مما عرضها إلى حرج كبير امام جمهورها، وكان لزاما عليها الرد المباشر.
لكن حتى هذا الرد خضع لحسابات دقيقة، فلم تستخدم ترسانة الصواريخ البعيدة المدى المتقدمة التى تمتلكها، والقادرة على ضرب أهداف مباشرة بدقة عالية فى إسرائيل، انما استخدمت مسيرات بطيئة الحركة كان العالم كله يتابع الساعات الطويلة التى استغرقتها فى الوصول إلى قرب الحدود الإسرائيلية والتى سقط معظمها قبل وصوله إلى تلك الحدود، فالهدف لم يكن إيقاع خسائر عسكرية ضخمة فى إسرائيل، بل توجيه رسالة لها بأن إيران قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي. وجاء رد إسرائيل بنفس الطريقة وهو إرسال رسالة بأن إسرائيل قادرة على قصف المنشآت الحيوية فى إيران، ومنها المنشآت النووية، لذلك تم اختيار أن تكون الضربة الإسرائيلية المحدودة فى مواقع قريبة من منشآت نووية فى مدينة أصفهان، وبطريقة تقول من خلالها إسرائيل لإيران: نحن متواجدون فى عمق بلادكم. هذه الرسائل المتبادلة بين البلدين هى جزء من الصراع بين مشروعى الهيمنة على المنطقة، والموقف الغربى من الملف النووى الإيرانى، ومن ترسانة الصواريخ الإيرانية التى شهدت تقدما ضخما خلال السنوات الأخيرة،
ولذلك كانت إيران حريصة للغاية خلال الأزمة الأخيرة على عدم منح الفرصة لإسرائيل والغرب، للدخول معها فى حرب حقيقية مباشرة يمكن أن تقضى على مشروعها النووى قبل أن يكتمل، ومشروعها الصاروخى الذى حققت فيه تقدما كبيرا وليست على استعداد للتنازل عنه. وتظل فلسطين فى قلب الصيف الساخن مع التعنت الإسرائيلى المستمر، والاصرار على التصعيد واستمرار الحرب على غزة، فى ظل ضعف الجانب العربى عن اتخاذ موقف جماعى مؤثر يضغط به على إسرائيل لإيقاف الحرب، أو الضغط على الولايات المتحدة الامريكية للتوقف عن عرقلة قبول فلسطين دولة دائمة العضوية بالأمم المتحدة، على الرغم من ان القرار رقم 181 الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 ينص على أن تُنشأ فى فلسطين دولة يهودية ودولة عربية، مع اعتبار القدس كيانا متميزاً يخضع لنظام دولى خاص، أى أن الاساس القانونى لقيام دولة إسرائيل يتضمن ايضا قيام دولة فلسطين!
لكن من الواضح أن الإدارة الامريكية استجابة لطلب إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية بأى شكل من الاشكال، وستبقى القوة وفرض الأمر الواقع فوق القانون.
ويبدو أن صيف الشرق الأوسط لن يكون ساخنا بسبب التطورات السياسية المتسارعة فقط، بل بسبب التغيرات المناخية ايضا بعد السيول التى تعرضت لها الإمارات وسلطنة عمان والبحرين والمنطقة الشرقية بالسعودية، والتى شكلت حدثا استثنائيا فى تاريخ المنطقة المناخى، وسبب أضرارا فى البنى التحتية والمنشآت، فقد أجمع العلماء الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة، على أنه منذ منتصف العام الماضى وهناك توقعات باستقبال حدة وتطرف مناخى بشكل كبير، لأنه يوجد احترار عالمى، وبذلك سيكون صيف منطقتنا محاصرا بين الاحترار السياسى والاحترار المناخى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية