تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
صناعة المحتوى والفضاء السيبرانى
أدت الثورة التكنولوجية فى مجال الاتصالات والبرمجيات إلى حدوث تغييرات بعيدة المدى فى جميع مجالات الحياة، وأدى التقدم السريع فى الحوسبة والاتصالات والبرمجيات إلى انخفاض كبير فى تكلفة إنتاج المعلومات ومعالجتها ونشرها.
ففى العقود الأخيرة وصلنا إلى مرحلة (ثورة المعلومات) التى تنطوى معالجتها ونشرها على نطاق يتخطى حدود الزمان والمكان، واستمرت تقنيات المعلومات فى التطور بوتيرة متسارعة، إلى جانب التقدم المتلاحق فى مجالات الحوسبة والاتصالات والتحسين المستمر فى أداء الأنظمة المحوسبة الذى أدى إلى خلق فضاء جديد فى العالم (الفضاء السيبراني)، وهو فضاء لم يظهر بفعل الطبيعة، ولكن من قبل البشر، ويحوى إمكانات هائلة، فضلا عن مخاطر غير معروفة، فهو تفاعل بين نظام جديد يتيح إمكانات غير مسبوقة ومجال تقنى يتطلب فهما مهنيا، ويتيح الظهور لوسائل إعلام جديدة لم تكن متوقعة من قبل تتلاشى فيها الحدود بين المرسل والمستقبل.
هذا الفضاء الافتراضى ساعد على انتشار ظواهر جديدة على المستوى الفردى وعلى مستوى الدول والحكومات، لاستثمار الإمكانات الضخمة التى أصبحت متاحة فى أنشطة تحقق أهداف كل طرف، فعلى المستوى الفردى ظهرت مهنة جديدة على مواقع التواصل الاجتماعى (السوشيال ميديا) هى مهنة صناعة المحتوى، وحسب مجلة فوربس الأمريكية يوجد على مستوى العالم الآن خمسون مليون شخص وظيفتهم هى صناعة المحتوى على السوشيال ميديا، وهؤلاء الأشخاص ليسوا صحفيين ولا إعلاميين، ولكنهم مواطنون عاديون أتاح لهم الفضاء الافتراضى والإمكانات الضخمة للسوشيال ميديا صناعة وتقديم محتوى خاص بهم فى كل مجالات الحياة، وأصبح لهم متابعون بالملايين خاصة من الشباب الصغير.
ويؤثر هذا التحول عن النموذج الإخبارى التقليدى فى بناء التصورات الاجتماعية وتأطير الروايات؛ بحيث يؤثر على صنع السياسات، وآليات التواصل السياسى، فضلا عن تطور النقاش العام خاصة عندما تكون القضايا مثيرة للجدل، ويميل المستخدمون عبر الإنترنت إلى الحصول على معلومات تتماشى مع آرائهم لتجاهل المعلومات المخالفة وتشكيل مجموعات مستقطبة حول الروايات المشتركة، علاوة على ذلك، عندما يكون الاستقطاب مرتفعًا، قد تتكاثر المعلومات الخاطئة بسهولة.
وأشارت بعض الدراسات الأجنبية فى 2021 إلى أن الأخبار الكاذبة والمعلومات غير الدقيقة قد تنتشر بشكل أسرع وأوسع من الأخبار القائمة على الحقائق، ومع ذلك، قد يكون هذا تأثيرًا خاصًا بشبكة التواصل التى يستخدمها الجمهور، وقد يكون تعريف الأخبار الكاذبة غير ملائم بالفعل لأن الجدل السياسى غالبًا ما يلجأ إلى وصف الأخبار المعاكسة بأنها غير موثوقة أو مزيفة، وتشير النتائج إلى أن أنماط التفاعل لكل من وسائل التواصل الاجتماعى جنبًا إلى جنب مع خصوصية جمهور كل منصة تلعب دورًا محوريًا فى نشر المعلومات والمعلومات المضللة.
من هنا تبرز خطورة صانع المحتوى الذى يتابعه الملايين، خاصة أنه يستهدف ما يسمى جيل Z أى الشباب الصغير من مواليد الألفينيات، وهذا الجيل لا يشاهد التليفزيون ولا يقرأ الصحف ولا يتابع المواقع الإلكترونية، ولديه المطربون والموسيقى الخاصة به والاهتمامات التى قد تختلف عن اهتمامات باقى المجتمع، ويستقى كل معلوماته من السوشيال ميديا، وحتى هذه الأخيرة أصبح بينها وبين بعضها البعض صراع كبير على استقطاب الشباب ولم تعد بعض المواقع مثل الفيسبوك على سبيل المثال هى المفضلة لدى هذا الجيل بل إنه يعتبرها قد شاخت ولم تعد ملائمة له، فحسب أحدث الإحصائيات العالمية تعد منصة تيك توك الصينى هى المنصة الأولى المفضلة لدى الشباب بسبب تناسبها مع الحيوية التى يتمتعون بها وتوفيرها فيديوهات قصيرة وسريعة تناسب إيقاع العصر، ويليها منصة يوتيوب ثم إنستجرام ثم تويتر وفى المؤخرة فيسبوك، مع وجود اهتمام خاص فى منطقة الخليج بالسناب شات.
وإذا كانت بداية ظهور مهنة صانع المحتوى استهدفت استخدامه فى الدعاية للسلع والمنتجات، فإنه يلعب الآن دورا كبيرا جدا فى التأثير على الشباب من خلال محتوى يغطى مختلف مناحى الحياة، ولا ننسى هنا تجربة (الدحيح) أشهر صانع محتوى عربى، وهو الشاب المصرى أحمد الغندور ( 28 عاما) الذى اشتهر باسم الدحيح نسبة لاسم قناته على اليوتيوب التى استخدمها فى تبسيط العلوم وتجاوز عدد مشاهديه على الإنترنت 800 مليون مشاهدة.
أما على مستوى الدول فقد كانت ثورة المعلومات وظهور الإنترنت إيذانا ببزوغ العصر السيبرانى، وخلق بيئة جديدة هى الفضاء السيبرانى بالإضافة إلى الأرض والبحر والجو والفضاء، الذى أصبح يؤثر فى النظام الدولى، خاصة مع بروز شكل جديد من القوة هى القوة السيبرانية التى توزعت وانتشرت بين عدد أكبر من الفاعلين على المستويين الدولى والمحلى، ما جعل الفضاء السيبرانى مجالا جديدا للصراع بين الدول، وظهرت انعكاساتها على التحولات فى مفهوم القوة والصراع.
ومثله مثل مجالات عديدة، تأثر الأمن القومى بالثورة المعلوماتية وظاهرة الفضاء السيبرانى، وأحدثت التغييرات البعيدة المدى فى تكنولوجيا المعلومات فى سياق الأمن القومى قفزة نوعية فى توافر المعلومات الاستخباراتية وجودتها، وفى وتيرة نقل المعلومات، وفى دقة الأسلحة، ويسمح الاستخدام الذكى للتقنيات الجديدة بقدرات لم تكن معروفة من قبل، والتى أدت، بجانب الاستخدامات الجديدة، إلى إحداث تغيير نوعى فى المجال العسكرى.
والحقيقة أن ما يخرج الآن من مراكز الأبحاث العالمية عن التطورات التكنولوجية المفترضة خلال السنوات المقبلة يثير الذهول، ويبشر بعصر جديد ستنقلب فيه كل الموازين فى جميع المجالات.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية