تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الرقمنة وأزمة المؤسسات الصحفية
يعد التحول الرقمى حجر الزاوية فى «الثورة الصناعية الرابعة» التى ظهرت بوادرها عندما أطلق المنتدى الاقتصادى العالمى 2015 «مبادرة التحول الرقمى» التى تسعى إلى رقمنة الحياة الاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم، وأحدثت تحولات كثيرة فى جميع الأنشطة الإنسانية، وفى مقدمتها النشاط الصحفى.
لم تقف حدود الثورة الصناعية الرابعة عند مجرد إطلاق مبادرة التحول الرقمى، بل تجاوز مفهومها حتى وصل لتقنيات «الذكاء الاصطناعى»، فإذا كانت الثورة الصناعية الثالثة تمثل الرقمنة البسيطة، فإن الثورة الرابعة تمثل «الرقمنة الإبداعية» القائمة على دمج التقنيات المادية والرقمية والبيولوجية, ومحو الخطوط الفاصلة بينها،
وتسببت البيئة الرقمية الجديدة فى عدم قدرة نماذج الأعمال التقليدية على مواكبة ما يشهده العالم من تطور، وفرض الواقع الرقمى نموذج أعمال جديدا، ولم تكن صناعة الصحافة بعيدة عن هذا الواقع الرقمى الذى فرض نفسه على أغلب الأنشطة.
والحقيقة أن صناعة الصحافة تعد من أكثر الأنشطة الإنسانية التى تأثرت بالتطورات التكنولوجية عبر تاريخها،
فالصحافة هى بنت تكنولوجيا عصرها، استفادت فى الماضى من ظهور المطبعة، فظهرت الصحيفة المطبوعة كأحد منتجات العصر الصناعى، واليوم تعيش الصحافة عصرا جديدا وهو عصر الثورة الصناعية الرابعة، ولا مجال للفصل بين الصحافة بشكلها التقليدى والصحافة الرقمية بكل أشكالها،
فالأولى ركيزة للثانية، والثانية امتداد طبيعى للأولى، لكن البيئة الرقمية الجديدة أحدثت تغييرات ونقلات جوهرية حيث أصبح الفرد الذى صار صانعا للمحتوى وليس متلقيا له فقط، وانتهى عصر الاحتكارات الإعلامية، وبات على المؤسسات الصحفية البحث عن نموذج أعمال جديد يناسب طبيعة المرحلة الجديدة، بعد أن أثبتت التجربة العملية عدم ملاءمة الاقتصار على نموذج الأعمال القديم فى بيع الصحيفة الورقية مرتين،
ـ واحدة للقارئ الذى يشترى نسختها المطبوعة من خلال التوزيع،
ـ والثانية للمعلن الذى يشترى مساحات إعلانية داخلها.
وقد أدركت المؤسسات الصحفية فى مصر والعالم أن الصحف المطبوعة بشكلها التقليدى لم تعد النموذج المفضل للقارئ والمعلن لأسباب عديدة، وأدرك مسئولوها أن هذا النمط من الصحافة يتراجع أمام زحف الوسائل التكنولوجية بكل أشكالها مما انعكس على أسس إدارة وتمويل العمل الصحفى، خاصة بعد توقف عديد من الصحف فى العالم عن الصدور، مثل كريستيان سايبنس، واشنطن بوست الأسبوعية، فرانس سوار، واندبندنت، وتحول بعض الصحف إلى نسخ إلكترونية والتوقف عن إصدار النسخ المطبوعة.
وهذه الأزمة هى أخطر ما يواجه المؤسسات الصحفية المصرية من تحديات الآن، وبحاجة إلى دراسات علمية معمقة للتعامل معها، ومن هنا تظهر أهمية رسالة الدكتوراة التى قدمها الكاتب الصحفى سامح محروس عضو الهيئة الوطنية للصحافة ومدير تحرير الجمهورية، لقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة سوهاج، تحت عنوان «أثر التحول الرقمى على إدارة وتمويل الصحف المصرية» وحصل عليها الأسبوع الماضى بدرجة مرتبة الشرف الأولى، واستهدفت بحث الدور المطلوب من الإدارة الصحفية للحفاظ على صناعة الصحافة، وكيف تستطيع الإدارة – فى ظل المعطيات التكنولوجية الحديثة – أن تحقق الأداء الإدارى والمالى الناجح الذى يضمن استقرار المؤسسة الصحفية والحفاظ عليها.
وقدم الباحث مجموعة من التوصيات المهمة من بينها:
ـ تشجيع الصحف على الاستمرار فى جهود التحول الرقمى، ورقمنة جميع الأنشطة الصحفية والإدارية،
ـ وأن يتم التوسع فى استحداث إدارات خاصة تتولى مسئولية ذلك فى المؤسسات الصحفية القومية تحت إشراف الهيئة الوطنية للصحافة (بالنسبة للمؤسسات القومية)، وتحت إشراف ودعم نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى تنظيم الإعلام (بالنسبة لباقى الصحف الخاصة والحزبية)، مع تنظيم دورات بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ووزارة التخطيط والتعاون الدولى لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الصحفيين والعاملين بالصحف لتنمية مهاراتهم، وزيادة الاهتمام بإجراء دراسات علمية مكثفة فى مجال تمويل الصحف فى ضوء المتغيرات الرقمية المتلاحقة.
ـ وكذلك بحث مدى إمكانية التطبيق التدريجى للتسويق الإلكترونى للصحف، ووضع ضوابط لتداول النسخ الإلكترونية التى تصدر بنظام الـ pdf التى يتم تداولها عبر العديد من المنصات، مع اقتراح أن تتولى مؤسسة الأهرام - من خلال منصة التوزيع الخاصة بها – مسئولية التسويق الإلكترونى لجميع إصدارات المؤسسات الصحفية القومية، وإصدار نسخ مؤمنة من الصحف المصرية ليتم إتاحتها للبيع بسعر رمزى يتيح للصحف موارد مالية إضافية،
وتشجيع الصحف الخاصة على الانضمام لتلك الفكرة،
ـ ودعم إدارات التحرير بالصحف لتعمل على تطوير النسخ الإلكترونية من صحفها، بإصدار طبعات خاصة تحتوى على خدمات صحفية وإخبارية تتجاوز المادة المنشورة فى نسخها المطبوعة، وأن تصدر هذه الصحف من خلال نسخة تفاعلية تتيح للقارئ مطالعة المزيد من المواد بالصور والفيديوهات، بما يشجع القارئ على الاشتراك فى هذه النسخ الجديدة.
ـ إلى جانب التوسع فى استخدام صحافة الواقع الافتراضى بالصحف المطبوعة من خلال الـ VR code بحيث يتم ربط النسخة الورقية من الصحيفة بنسختها الإلكترونية، وأن يتم تعميم هذه التقنية فى كل المواد الصحفية المنشورة بالصحيفة، وهذا من شأنه أن يزيد من جاذبية الصحيفة الورقية خاصة لدى شريحة الشباب، والانتقال بها من المفهوم التقليدى لتصبح صحيفة تفاعلية تتيح للقارئ آفاقا ومساحات أوسع من الخدمات الإخبارية.
إن صناعة الصحافة بشكلها التقليدى لا يمكن أن تستمر، ولابد أن تستفيد مما يتيحه التحول الرقمى من إمكانات لدعم فرص بقائها، والاستفادة من الدراسات العلمية الجديدة فى هذا المجال، خاصة أن صاحب رسالة الدكتوراة التى تحدثنا عنها ليس مجرد كاتب صحفى عادى، لكنه عضو بالهيئة الوطنية للصحافة، مما يلقى عليه مسئولية كبيرة فى العمل على تحويل التوصيات التى توصل إليها إلى واقع عملى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية