تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الدولة الفلسطينية

لا شك فى أن الزخم الدولى المتصاعد خلال الفترة الأخيرة نحو الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة فى إطار حل الدولتين، يشكل خطوة مهمة على طريق التوصل لتسوية سلمية للقضية الفلسطينية، خاصة بعد أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة «إعلان نيويورك» الذى يحدد «خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها» نحو حل الدولتين حيث حصل مشروع القرار على 142 صوتا مؤيدا، وعارضته 10 دول، بينما امتنعت 12 دولة عن التصويت، رغم أن هذا القرار غير ملزم.

لكن المبادرة الفرنسية السعودية التى تقود الجهود الدولية لإحياء فكرة حل الدولتين تكتسب كل يوم زخما جديدة، وتخطى عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية 148 دولة حتى الآن، ويحث إعلان نيويورك على الاعتراف العالمى بفلسطين، بل ويضع خطة طريق واحدة للوصول إلى حل الدولتين، تبدأ بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة، وإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين هناك، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، مع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وتوفير ضمانات الأمن الجماعي. والحقيقة أن مفهوم الدولة الفلسطينية تطور من رفض قرار التقسيم عام 1947 إلى قبول حل الدولتين كإطار أساسى، لكنه ظل طموحاً بعيد المنال بسبب الاحتلال والتحديات الداخلية والخارجية، فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181، الذى اقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية ودولة عربية، مع جعل القدس منطقة دولية، ورفضت القيادة الفلسطينية والدول العربية القرار، معتبرة إياه غير عادل، بينما قبلت القيادة الصهيونية به، وأدى ذلك إلى حرب 1948 (النكبة)، التى أسفرت عن قيام دولة إسرائيل وضياع الدولة الفلسطينية المقترحة، حيث سيطرت إسرائيل على 78% من أراضى فلسطين التاريخية، وأصبحت الضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية.

كما أن مفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة لم يكن واضحاً فى مرحلة الكفاح الفلسطينى المسلح، حيث ركزت الحركة الوطنية الفلسطينية، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، على تحرير فلسطين كاملة عبر النضال المسلح، وكانت الرؤية الفلسطينية آنذاك تتمحور حول استعادة الأرض بالكامل بدلاً من قبول دولة على حدود 1967، وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية فى تبنى فكرة الدولة الفلسطينية على أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة، بعد قرار المجلس الوطنى الفلسطينى عام 1974، وفى عام 1988 أعلن ياسر عرفات إقامة دولة فلسطين رمزياً فى الجزائر، مع قبول قرار التقسيم وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة (242 و338)، مما عزز فكرة حل الدولتين.

وشكلت اتفاقيات أوسلو نقطة تحول، حيث وافقت إسرائيل ومنظمة التحرير على إطار للتفاوض يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية، وأنشئت السلطة الفلسطينية ككيان مؤقت لإدارة أجزاء من الضفة وغزة، لكن الاتفاقيات لم تحدد حدود الدولة الفلسطينية، وتوقفت المفاوضات بسبب قضايا مثل المستوطنات، القدس، واللاجئين، حتى حصلت فلسطين على صفة «دولة مراقب غير عضو» فى الأمم المتحدة عام 2012 بقرار الجمعية العامة 67/19، مما عزز مكانتها الدبلوماسية، واعترف عدد كبير من الدول تباعا بفلسطين كدولة، لكن هذا الاعتراف رمزى إلى حد كبير، حيث لا تملك السلطة الفلسطينية سيادة فعلية على الأراضى بسبب الاحتلال الإسرائيلى، واستمرار التوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية، والحصار على غزة، والانقسام الداخلى بين فتح وحماس، وهو ما يشكل عقبات كبيرة على أرض الواقع.

وقد أدت الحرب المستعرة الآن فى غزة إلى تدمير واسع وخسائر بشرية كبيرة، مما أضعف البنية التحتية لغزة وأثار تساؤلات حول إمكانية إدارة المنطقة ضمن إطار دولة فلسطينية، رغم أن الفترة الأخيرة شهدت زيادة فى الاعتراف الدولى بدولة فلسطين لكن هذه الخطوات لم تترجم إلى تغييرات ملموسة على الأرض، مع وجود عقبات كثيرة منها استمرار التوسع الاستيطانى (أكثر من 700.000 مستوطن فى الضفة والقدس الشرقية) يجعل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً صعبة، والخلافات بين فتح وحماس التى تعيق توحيد الرؤية السياسية، ورغم الدعم المتزايد فى الأمم المتحدة، فإن الدعم الأمريكى والغربى لإسرائيل يحد من الضغط الدولى لإقامة دولة فلسطينية.

لايزال المجتمع الدولى يدعم حل الدولتين نظريا، لكنه يواجه تحديات بسبب تغيير الواقع على الأرض، ورغم الزخم الدولى للاعتراف بدولة فلسطينية، فإن استمرار الوضع الحالى هو السيناريو الأكثر ترجيحا فى المدى القريب، مع استمرار الاحتلال والسلطة الفلسطينية ككيان إدارى محدود، ففى المدى القريب، من غير المرجح قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة ، وقد تحدث خطوات تدريجية، مثل زيادة الاعتراف الدولى أو إعادة إعمار غزة تحت إشراف دولى، لكنها لن تصل إلى إقامة دولة فعلية دون تغيير جذرى فى الموقف الإسرائيلى أو الضغط الدولى.

وإذا كانت إمكانية قيام دولة فلسطينية قريباً ضعيفة، خاصة فى الوقت الحالى، لكن التغيرات الجيوسياسية أو الضغوط الدولية قد تفتح آفاقاً جديدة فى المستقبل، وعلينا ـ كعرب ـ أن نسهم فى إزالة بعض العقبات التى تعرقل قيام دولة فلسطينية على أرض الواقع، وعلى رأسها إعادة ترتيب البيت الفلسطينى على ضوء التطورات الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، والوصول إلى رؤية سياسية موحدة بين الفصائل الفلسطينية خاصة فتح وحماس، وإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية لتعبر عن كل القوى الفلسطينية، حتى تستطيع أن تتحدث باسم الشعب الفلسطينى من موقع قوة، وتسهم مع الشركاء العرب والدوليين فى مسار الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، مع تكثيف الدعم العربى واستخدام كل الإمكانات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية العربية للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل حتى ترى الدولة الفلسطينية النور.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية