تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الدور المصرى فى لبنان

تشكل عودة الدور المصرى إلى لبنان بهذا الزخم إنجازا لافتا للدبلوماسية المصرية، خاصة أن هذا الدور مقبول ومرحَّب به من كل الطوائف والقوى اللبنانية؛ لأنهم يعلمون أن مصر ليست لها أجندة خاصة فى لبنان، ولا يهمها سوى أمن الدولة اللبنانية واستقرارها ومؤسساتها الوطنية، وفى الوقت نفسه، تمتلك مصر الآن علاقات قوية مع كل الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبنانى، مما يؤهلها بشدة للمساهمة فى التوصل إلى تسوية سياسية للمشكلات العالقة.

 

لقد غابت مصر – أو تم تغييبها – عن لبنان على مدى عقود فى عهدى السادات ومبارك لأسباب متعددة، بعد الدور الكبير الذى لعبته هناك فى عهد جمال عبد الناصر، والآن آن لها أن تعود لممارسة دورها التاريخى فى حماية الأمن القومى العربى، دون أن تدخل فى منافسة مع أحد للفوز بدور فى لبنان، بل تسعى إلى التعاون والتنسيق مع الأشقاء والأطراف المعنية من أجل تحقيق الهدف الأساسي: أمن الدولة اللبنانية واستقرارها، دون التدخل فى شئونها الداخلية.

وتمثل الوساطة المصرية فى الشأن اللبنانى جهداً دبلوماسياً نشطاً فى سياق التوترات الإقليمية المتصاعدة، خاصة بعد مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله فى نوفمبر 2024، الذى لا يزال هشاً فى ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة وعمليات اغتيال قيادات وكوادر الحزب العسكرية.

فمنذ وقف إطلاق النار، نفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية على جنوب لبنان والبقاع وصولاً إلى الضاحية الجنوبية فى بيروت، مستهدفة مواقع وكوادر حزب الله، مع احتفاظها بقوات فى خمس نقاط على الأراضى اللبنانية فى الجنوب، وتبرر ذلك بـ«حق الدفاع عن النفس» لمنع إعادة بناء قدرات الحزب، وتهدد بحرب شاملة إذا لم يتم نزع سلاح الحزب والمجموعات الفلسطينية.

يترافق ذلك مع أزمة سياسية واقتصادية حادة يعانيها لبنان، وضغوط داخلية من بعض القوى السياسية والطائفية لتفعيل قرار مجلس الأمن 1701 الذى يطالب بسيطرة الجيش اللبنانى على الجنوب ونزع سلاح حزب الله، إلى جانب ضغوط خارجية من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وبعض الدول العربية للإسراع بذلك، وقد دفع هذا قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى تأكيد أن «اللغة التفاوضية أفضل من الحرب»، مشيراً إلى إمكان حوار مباشر مع إسرائيل، لكن حزب الله رفض ذلك معتبراً إياه «تهديداً وجودياً»، مدعوماً فى موقفه هذا من إيران فى مواجهة القوى الدولية والإقليمية التى تضغط على بيروت لنزع سلاح الحزب، مما يجعل لبنان ساحة لتصفية حسابات إقليمية. فى هذا السياق يبرز الدور المصرى فى لبنان، وهو دور يستمد مصداقيته الكبيرة من أبعاده التاريخية، ففى عهد جمال عبد الناصر والمد القومى العروبى، لعبت مصر دوراً مهماً ومؤثراً شكَّل قيمة كبيرة لدى الرأى العام اللبنانى، خاصة بعد نجاح مصر فى أزمة السويس 1956 (تأميم القناة والتصدى للعدوان الثلاثي) وتحول عبد الناصر إلى رمز للوحدة العربية، مما ألهم قطاعات واسعة من اللبنانيين الذين رأوا فيه بديلاً عن النظام الطائفى والتدخلات الأجنبية، كما لعبت القوة الناعمة المصرية دوراً بارزاً عبر إنشاء جامعة بيروت العربية، والتداخل الكبير فى الأوساط الفنية والصحفية والثقافية بين البلدين، دون أن يكون لهذا التأثير أجندة خاصة سوى دعم وجود دولة لبنانية قوية.

وبعد عقود طويلة من الغياب – أو التغييب – بدأت مصر فى العودة تدريجياً منذ سنوات، فى إطار السعى للحفاظ على الأمن القومى العربى بكل تفرعاته، ثم زاد انخراطها فى الملف اللبنانى بشكل ملحوظ منذ اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة (يناير 2025) وقمة شرم الشيخ، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن «استقرار لبنان أولوية عربية»، وزار وزير الخارجية بدر عبد العاطى بيروت أربع مرات خلال أشهر قليلة، موضحاً فى زيارته الأخيرة قبل أيام أن مصر «تخشى التصعيد وستستخدم شبكتها الدولية لدعم التهدئة»، وسبق ذلك زيارة مدير المخابرات الوزير حسن رشاد الشهر الماضى، حيث أبدت مصر استعدادها لتثبيت الاستقرار فى الجنوب وتوسيع اتفاق غزة ليشمل لبنان.

وطرحت مصر فى تحركاتها عدة أفكار عملية، منها خطة تدريجية لنقل أسلحة حزب الله إلى الدولة خاصة جنوب نهر الليطانى، مع ضمانات أمريكية لانسحاب إسرائيلى تدريجى من النقاط الخمس، مع تأكيد أن هذه العملية قد تستغرق وقتاً، لكنها ضرورية قبل معالجة قضايا جوهرية مثل ترسيم الحدود، كما شددت على أن لبنان ينبغى ألا يكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

وبالفعل يعزز دعم مصر دور الجيش اللبنانى الذى يهدف إلى إعلان الجنوب خالياً من أسلحة حزب الله بنهاية العام الحالى، ويسهم فى تحقيق استقرار نسبى عبر تعزيز سيطرة ، وتوسيع آليات وقف إطلاق النار، وهو ما يعتمد نجاحه على وحدة اللبنانيين ودور مصر كـ«حارس حدود» إقليمى. لكن الصراع الإيرانى من جهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى سيظل المصدر الرئيسى للتهديد أمام أى تقدم نحو الاستقرار فى لبنان.

و ينبغى عدم تجاهل أهمية توفير دعم مباشر ومستدام للجيش اللبنانى الذى يعانى عقبات داخلية وخارجية تمنعه من أداء دوره كاملاً فى جميع الأحوال، فهو بحاجة إلى ميزانية دفاعية مستدامة لا تقل عن مليار دولار سنوياً، ودعم مباشر للرواتب والصيانة لتجنب الانهيار، وتجهيزات حديثة (مركبات، أسلحة دفاعية، رادارات)، وتدريبات مشتركة مع دول صديقة، وبرامج للتجنيد والتدريب للوصول إلى 80 ألف جندى عامل، فالجيش هو الضامن الأساسى لاستقرار الدولة اللبنانية داخلياً وخارجياً.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية