تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إشكالية سلاح حزب الله
منذ سنوات كان الحديث عن سلاح حزب الله من المحرمات التى يمكن أن يدفع صاحبها حياته ثمنا لذلك، لكن بعد الاتفاق اللبنانى الإسرائيلى الذى أنهى حرب الإسناد بعد خسائر فادحة منى بها الحزب على جميع المستويات، والمتغيرات التى شهدتها المنطقة وخاصة سقوط نظام الأسد فى سوريا، ووصول نظام معادٍ لإيران إلى الحكم، وتوجيه أمريكا وإسرائيل ضربات مباشرة لإيران، أصبح الحديث عن مصير سلاح حزب الله قضية أساسية لدى النظام اللبنانى، خاصة بعد تعهد كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الجديدين بأن يكون السلاح فى لبنان حكرا على الدولة وكذلك قرار الحرب والسلم، وتصاعد الضغوط الدولية التى تقودها الولايات المتحدة والإقليمية التى تقودها إسرائيل على لبنان لإقناع الحزب طوعا أو كرها بتسليم سلاحه.
وخلال الأسابيع الأخيرة أصبح سلاح حزب الله من أكثر القضايا إثارة للجدل فى لبنان، والتخوف من تأثيره العميق على السياسة والأمن والاستقرار الداخلى، فهذا السلاح يشكل تحديا مركزيا للبنان داخليا وإقليميا، حيث يفاقم الانقسامات السياسية والطائفية ويعوق استقرار الدولة، ويعزز النفوذ الإيرانى، ويلعب دورا إقليميا ضد إسرائيل ضمن ما يسمى محور المقاومة. ويفكر الجميع فى السيناريوهات المحتملة لهذا الوضع الخطير التى تتراوح بين الحوار الداخلى، التسويات الإقليمية، أو استمرار الوضع الراهن، مع مخاطر كبيرة لأى محاولة لنزع السلاح بالقوة، لأن النجاح فى معالجة هذه الأزمة يتطلب توافقا لبنانيا داخليا مدعوما بمواقف إقليمية ودولية، مع الأخذ فى الاعتبار التعقيدات الاجتماعية والسياسية فى لبنان.
على المستوى الداخلى يقدم حزب الله نفسه كقوة مقاومة ضد إسرائيل من قبل أنصاره، خاصة فى الأوساط الشيعية، مما يمنحه شرعية شعبية فى هذه الأوساط، بينما ترى باقى الطوائف والقوى اللبنانية أن سلاحه يهدد سيادة الدولة ويعوق بناء جيش وطنى قوى، ويستخدمه لتعزيز نفوذه السياسى داخل لبنان، مما يضعف مؤسسات الدولة ويعوق اتخاذ قرارات وطنية موحدة، مثل قرار السلم والحرب. فى الوقت نفسه فإن الحروب التى يخوضها حزب الله، مثل الحرب الأخيرة مع إسرائيل، أدت إلى نزوح عشرات الآلاف وخسائر بشرية كبيرة ودمار كبير للبنية التحتية فى الجنوب ، مما زاد من التوترات الاجتماعية وأثار تساؤلات حول جدوى استمرار الحزب فى حمل السلاح، وزيادة الأعباء الاقتصادية على الدولة وأثار استياء بعض المؤيدين بسبب نقص الأموال لإعادة الإعمار، وتتزايد الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية والإقليمية، لنزع السلاح وتربط ذلك بشروط تقديم مساعدات اقتصادية للبنان مما يعقد جهود إعادة الإعمار وتفاقم الأزمة الاقتصادية. ويزيد من تعقيد الموقف الدور الإقليمى الذى يلعبه حزب الله حيث يشكل ركيزة أساسية فى المحور الإيرانى، الذى يضم جماعات مثل انصار الله فى العراق والحوثيين فى اليمن، ويستخدم سلاحه لتعزيز النفوذ الإيرانى فى المنطقة، خاصة أن إيران هى الداعم الرئيسى لحزب الله، حيث توفر التمويل والأسلحة والتدريب العسكرى عبر فيلق القدس التابع للحرس الثورى، وامتد دوره إلى سوريا، حيث دعم نظام بشار الأسد خلال الحرب الأهلية، مما عزز موقعه كقوة إقليمية، ولكنه أثار انتقادات داخلية بسبب التكلفة البشرية والاقتصادية، وقد أدى سقوط نظام الأسد فى سوريا إلى قطع خطوط إمداد إيران البرية إلى حزب الله، مما أضعف قدرة طهران على إعادة تسليح الحزب.
ورغم الرفض المعلن من جانب قيادات حزب الله لتسليم سلاحه ، وتسويق الأمر لدى حاضنته الشعبية على أن السلاح هو القوة الحقيقية للحفاظ على حقوق الطائفة الشيعية ومكتسباتها، فإن هناك عدة سيناريوهات متوقعة لحل هذه الإشكالية، منها إجراء حوار وطنى شامل بين الأطراف اللبنانية، بقيادة الجيش والحكومة، لدمج سلاح حزب الله تحت سيطرة الدولة مما يجنب لبنان صراعا داخليا، يعزز سيادة الدولة، ويفتح الباب لدعم دولى، لكن الحزب يرفض التخلى عن سلاحه دون ضمانات أمنية، خاصة فى ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية، وقد ينجح هذا السيناريو إذا تم ربطه بتسويات إقليمية، تشمل إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة، مثل اتفاق نووى جديد أو هدنة طويلة الأمد، وهو سيناريو يعتمد على وجود إرادة دولية وإقليمية، قد تفشل بسبب استمرار الصراعات فى المنطقة.
أما الدعوة إلى فرض نزع السلاح عبر ضغوط دولية أو تدخل عسكرى داخلى/خارجى، فإنها قد تنهى وجود قوة موازية للدولة، لكن قد تؤدى إلى حرب أهلية أو مواجهات طائفية، خاصة إذا شعر الشيعة بالاستهداف، وهو أمر لا أحد يسعى إليه بسبب المخاطر العالية والتكلفة الباهظة.
وقد يبقى الوضع الحالى كما هو لفترة ويستمر حزب الله فى الاحتفاظ بسلاحه مع تقليص حضوره العسكرى جنوب الليطانى وفقًا للقرار 1701، مقابل تعزيز دور الجيش اللبنانى واليونيفيل، وهو ما يحافظ على الاستقرار المؤقت ويجنب المواجهة المباشرة، لكن مشكلة سلاح الحزب ستظل دون حل وقد يبقى لبنان تحت ضغوط دولية كبيرة، وإذا استمر الضعف الإقليمى لإيران وسوريا، قد يصبح سلاح حزب الله عبئا بدلاً من ورقة قوة، مما يدفع الحزب لإعادة تقييم دوره العسكرى، ما قد يسهل التفاوض على نزع السلاح طوعيا، وفى كل الأحوال فإن الحديث يجرى عن إعادة الحزب الصواريخ البالستية والمتطورة والمسيرات إلى إيران، وتسليم مخازن السلاح الثقيل إلى الجيش اللبنانى، واحتفاظ الحزب بالأسلحة الفردية والخفيفة فقط، وهو أمر سيظل مرتبطا بالمتغيرات الإقليمية والعلاقات الإيرانية الأمريكية، وضمان الحزب الحفاظ على حجم كتلته النيابية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة حتى لا يفقد نفوذه السياسى الداخلى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية