تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
رجاء النقاش.. بين النقد والإبداع
لم يكن رجاء النقاش ناقدًا أو كاتبًا عاديًا، ولكنه كان شيئًا متفردًا؛ فقد مارس النقد بروح المبدع، ومارس الكتابة بإحساس العاشق، وتفرد فى أسلوبه ومواقفه وتفاصيل حياته.. فى موازين القيمة ، يجب أن نفخر بأن مصر أنجبت ناقدًا مبدعًا فى قيمة رجاء النقاش.
ـــــ عرفت رجاء عن قرب وأحببت فيه الإنسان. كان إنسانًا مترفعًا، خلوقًا، يقدر القيمة ويحترم الموهبة أيًا كانت الأرض التى أنجبتها والظروف التى ظهرت فيها.. لم ينبهر رجاء النقاش بأفكار ونظريات وافدة، وكان شديد الإيمان بثقافته وجذوره العربية.. لم يسعَ إلى أن يكون صدى لأصوات الآخرين كما فعل كثير من المثقفين العرب والمصريين. كان رجاء دارسًا للثقافة العربية بكل مراحل تاريخها: القديم والحديث ، والمعاصر.. وكان عاشقًا للشعر العربى الجميل، يجول فى بحوره وكأنه يصطاد اللآلئ من أعماق البحار.
ـــــ فى تقديرى أن رجاء النقاش من أعظم النقاد الذين أحبوا القصيدة العربية، وقد كتب عن عدد كبير من الشعراء المصريين والعرب، وكان وراء اكتشاف عدد كبير منهم. هو الذى قدم محمود درويش وسميح القاسم، أكبر شعراء المقاومة، وهو الذى قدم الطيب صالح، والفيتوري، والشوش.. وكان من المتحمسين لتجربة صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطى حجازي، وأمل دنقل، وأبوسنة، وفاروق شوشة، وحسن طلب فى تطوير القصيدة العربية..
ـــــ إلى جانب الشعر، كانت كتابات رجاء عن الرواية العربية من أهم إنجازاته.. كان متحمسًا ليوسف إدريس، وفتحى غانم، ويحيى حقي، والشرقاوى، وعدد كبير من كتاب الرواية فى العالم العربي.. وتفرد بسيرة حياة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، حيث كتب عنها بحب شديد وتقدير لمكانة محفوظ فى تاريخ الأدب العربي.. وقد سألته يومًا عن سبب سقوط عشرين عامًا من حياة محفوظ بين الثلاثين والخمسين من اعترافاته، فقال: «لأنه رفض تمامًا الحديث عن هذه السنوات ، ربما لأنها تحمل أسرارًا لا يريد أن يبوح بها»..
ــــــ كان مشوار رجاء مشوارًا سخيًا فى العطاء والتميز؛ فقد حافظ على مكانته ودوره ناقدًا مبدعًا، وكان كاتبًا عاش بكل الصدق قضايا وطنه وأمته، ولم يحاول أن يغير الأقنعة.. كان شديد الإخلاص لتجربة عبد الناصر، وكان رافضًا للكثير من مظاهر التراجع فى دور مصر الثقافى والسياسى والحضاري.. كانت له تجارب ناجحة فى «مملكة صاحبة الجلالة»، رئيسًا لتحرير أشهر المجلات الفنية فى مصر، وهى مجلة «الكواكب»، التى شهدت فى عهده تطورًا كبيرًا فى دورها الفنى والفكرى والثقافي. كذلك، كانت مجلة «الدوحة» صفحة مضيئة فى تاريخ الصحافة الثقافية فى العالم العربي، وقد كانت تجربة رجاء فى هذه المجلة من أنجح التجارب الصحفية، ومازال الشعب القطرى يذكر بكل العرفان والتقدير تلك التجربة.
ـــــ بعد سنوات من الغربة ، عاد رجاء إلى مصر، واستقر به الحال فى بيت صغير فى حدائق الأهرام، حيث كثيرًا ما التقينا فيه ودارت بيننا حوارات ممتعة فى كل قضايا الوطن.. لم يكن رجاء هادئًا ومسالمًا طوال الوقت، ولكنه كثيرًا ما غضب.. ويكفى أنه دخل فى معركة مع كاتبنا الكبير عباس العقاد. أذكر يومًا أنه اصطحب الدكتور لويس عوض وشاهدا معًا مسرحيتى «الوزير العاشق». وبعد أن انتهى العرض، ذهبنا للعشاء فى أحد المطاعم وسط القاهرة، ودار بين لويس عوض ورجاء النقاش حوارا حاد حول المسرحية وملاحظات عوض حول تاريخ العرب فى الأندلس والتجربة الحضارية التى أقامها المسلمون هناك..
ـــــ وكانت معركة رجاء النقاش مع العقاد واحدة من أكبر المعارك بين الكاتب الكبير والناقد الشاب.. ورغم أن رجاء كان حادًا وعنيفًا فى هجومه على العقاد، فإنه اعتذر لاحقًا.. وربما يذكرنا هذا بالهجوم الضارى للعقاد على أمير الشعراء أحمد شوقى فى كتابه «الديوان» مع المازنى. وقد كتب رجاء سلسلة من الكتب، منها: «العقاد بين اليمين واليسار»، «يحيى حقى: الفنان والإنسان»، «لويس عوض فى الميزان»، و«فدوى طوقان والمعداوى».. كما كتب عن محمود درويش فى كتابه «محمود درويش: شاعر الأرض المحتلة» ومن أجمل ما كتب رجاء هو كتابه الأشهر «ثلاثون عامًا مع الشعر»، حيث تناول فيه نخبة من أكبر الشعراء العرب.. وكان رجاء متابعا لرموز الإبداع على امتداد الساحة العربية وليس فى مصر وحدها وكان المثقفون العرب يضعون رجاء فى مكانة خاصة كصوت عربى أصيل.
ـــــ كان رجاء عروبى الهوى، وكان يؤمن بأن مصر الثقافة هى أغلى ما نملك.. وكان يعتقد أن الخطأ الجسيم أن نتخلى عن عروبتنا سياسيًا وثقافيًا وحضاريًا.. وكنت أتفق معه فى كل هذه المواقف.. رغم أننا التقينا فى وقت متأخر، فإننى أحببت رجاء النقاش وقدرته، إنسانًا نبيلاً مترفعًا.. جمعت بيننا أشياء كثيرة، خاصة بعد أن أصبح كاتبًا فى الأهرام.. وقد جمعت «صاحبة الجلالة» عددًا من أشقاء وشقيقات الناقد الكبير، كان منهم: وحيد النقاش، فكرى النقاش، فريدة النقاش، أمينة النقاش، وابنه سميح النقاش، وزوجته الراحلة د.هانيا النقاش، طبيبة الأطفال.
ــــ كان رجاء ناقدًا متفردًا يتعامل مع الكلمة، نثرًا أو شعرًا، بروح المبدع.. ولو لم يكن رجاء ناقدًا كبيرًا ، لكان شاعرًا أو روائيًا؛ فقد سيطرت على كتاباته روح الإبداع، فعاش النقد ولم ينسَ أنه يحمل روح المبدع.
ولا شك فى أن الحياة النقدية تفتقد رجاء النقاش الموقف والدور، فقد كان مدافعا عن الثقافة العربية، ويرى أنها من الثقافات الفريدة التى تمتد جذورها فى أعماق التاريخ، وقد تمتعت كتابات رجاء النقدية بتقدير خاص لدى القارئ العربى أمام ترفعه وحرصه على أن يكون صوتا للحقيقة.. فى آخر أيامه وكان يعانى صحيا كنت أذهب إليه ونتحدث فى كل القضايا وكنت أشعر بأنه يغلق ملفات مسيرته ورحلته التى شيدها بكل العمق والصدق والأمانة.
..ويبقى الشعر
فى هذه الأرض ِ الشريفةِ أشرقتْ
يومًا قلاعُ النـور والبركــــــــــاتِ
بدأ الوجودُ خطيئةً ثم انتهــــــى
بالصفحِ والغفـران ِفى عرفـــــاتِ
حتى أطل على الوجودِ محمــــدٌ
فتزينت عرفــاتُ بالصلــــــــــواتِ
فأضاء تاريخٌ وقامت أمـــــــــــة ٌ
بالحق ِتكتبُ أروع َالصفحــــــــاتِ
وسرى على أرجائها وحى الهدى
جبريلُ يتلو أقــــــدسَ الآيــــــــاتِ
ومحمدٌ فى كل ركن ٍ ساجـــــــدٌ
يُحيى قلوبًا .. بعد طول ِ مــــــواتِ
بدءُ الخليقةِ كان من أسرارهـــــا
حين استوت بالخلقِ فى لحظاتِ
وتزينت لنبيّها حتى بـــــــــــــدا
نورُ الرسالةِ فـوقَ كل حصـــــاةِ
وتكسرتْ أصنامُ مكة .. وانزوى
خلفَ الحطام ِ ضلالُ ليل ٍ عــاتِ
فى حضن ِمكةَ كان ميلاد الهدى
والدهرُ يشدو أعــذبَ النغمــــاتِ
أممٌ أفاقت من ظلام ِعهودهـــــــا
واستيقظت من بعدِ طول ِسُبــاتِ
ألقى عليك الحاقدون ضلالهـــــم
وتسابقوا فى اللغو والســــوءاتِ
أترى يعيب الشمسَ أن ضياءهـــا
أعمى حشودَ الجهل ِ والظلمــاتِ
لو يعلم الجهلاءُ رحمة ديننـــــــا
لتسابقوا فى البر والرحمـــــــاتِ
لم يشهد التاريخُ يوما أمــــــــــةً
جمعتْ حشودَ الحق ِفى لحظــــاتِ
لم تشهد الدنيا جموعًا سافــــــرتْ
عبرت حدود الأرض ِ والسمــواتِ
لكنه الإسلامُ وحَّد بينهـــــــــــــم
فتسابقــــــوا للهِ فى عرفــــــــــــاتِ
هذا هو الإسلامُ دين محبــــــــــةٍ
رغم اختلافِ الجــاهِ والدرجـــــاتِ
◙ ◙ ◙
يا للمدينة حين يبدو سحرُهـــــــــا
وتتيه فى أيامها النضـــــــــــــراتِ
ومواكبُ الصلواتِ .. بين ربوعها
تهتز أركانُ الضلال ِالعاتــــــــــــى
فى ساحةِ الشهداء لحنٌ دائـــــــــم
صوتُ الخيول ِ يصولُ فى الساحاتِ
والأفقُ وحىٌ .. والسماءُ بشائـــرٌ
والروضة ُ الفيحاءُ تاجُ صلاتِـــــــى
ويطوفُ وجهُ محمدٍ فى أرضهـــا
الماءُ طهرى .. والحجَيـج سُقـَاتـــى
ماذا أقولُ أمام نوركَ سيـــــــــدى
وبأى وجهٍ تحتفى كلمــاتـــــــــــــى
بالعدلِ .. بالإيمانِ .. بالهمم ِالتى
شيدتها فى حكمةٍ وثبــــــــــــــاتِ ؟
أم بالرجال ِالصامدينَ على الهـــدى
بالحق ِ ..والأخلاق ِ.. والصلواتِ ؟
أم أنه زهدُ القلوبِ وسعيهـــــــــــا
للهِ دون مغانم ٍ وهبــــــــــــــــاتِ ؟
أم أنه صدقُ العقيدةِ عندمـــــــــــا
تعلو النفوسَ سماحُة النيــــــــاتِ ؟
أم أنه الإنسانُ حين يُحيطـــــــــــه
نبلُ الجلال ِ وعفة ُالغايـــــــــاتِ؟
أم أنه حبُ الشهادةِ عندمـــــــــــا
يخبو بريقُ المال والشهـــــواتِ ؟
أم أنه زهدُ الرجال إذا علــــــــتَ
فينا النفوسُ عَلى نِدا الحاجــاتِ ؟
أم أنه العزمُ الجليلُ وقد مضــــى
فوق الضلال ِ وخسةِ الرغباتِ ؟
بل إنه القرآنُ وحى محمــــــــــدٍ
ودليلنا فى كل عصــــــر ٍ آت ..
◙ ◙ ◙
يا سيدَ الدنيا .. وتاجَ ضميـــــرها
اشفع لنا فى ساحة العثـــــرات ِ
أنا يا حبيب الله ضاق بـِىَ المدى
وتعثـرتْ فى رهبةٍ نبضاتــــى
وصفوكَ قبلى فوق كل صفــــاتِ
نورُ الضمير ِ وفجرُ كل حيـــاةِ
بشر ولكن فى الضمير ترفــــــعُ
فاق الوجودَ.. وفاقَ أى صفاتِ
وصفوكَ قبلى فانزوت أبياتـــى
وخَجلتُ من شعرى ومن كلماتى
ماذا أقولُ أمامَ بابك سيــــــدى
سكتَ الكلامُ وفاض فى عبراتى
يارب فلتجعل نهايةَ رحلتـــى
عند الحبيبِ وأن يراه رفاتـــــى
يومًا حلمتُ بأن أراه حقيقــــةً
ياليتنى ألقاه عند مماتــــــــــــى ..
------------------------
من قصيدة «على باب المصطفى» سنة 2010
ـــــ عرفت رجاء عن قرب وأحببت فيه الإنسان. كان إنسانًا مترفعًا، خلوقًا، يقدر القيمة ويحترم الموهبة أيًا كانت الأرض التى أنجبتها والظروف التى ظهرت فيها.. لم ينبهر رجاء النقاش بأفكار ونظريات وافدة، وكان شديد الإيمان بثقافته وجذوره العربية.. لم يسعَ إلى أن يكون صدى لأصوات الآخرين كما فعل كثير من المثقفين العرب والمصريين. كان رجاء دارسًا للثقافة العربية بكل مراحل تاريخها: القديم والحديث ، والمعاصر.. وكان عاشقًا للشعر العربى الجميل، يجول فى بحوره وكأنه يصطاد اللآلئ من أعماق البحار.
ـــــ فى تقديرى أن رجاء النقاش من أعظم النقاد الذين أحبوا القصيدة العربية، وقد كتب عن عدد كبير من الشعراء المصريين والعرب، وكان وراء اكتشاف عدد كبير منهم. هو الذى قدم محمود درويش وسميح القاسم، أكبر شعراء المقاومة، وهو الذى قدم الطيب صالح، والفيتوري، والشوش.. وكان من المتحمسين لتجربة صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطى حجازي، وأمل دنقل، وأبوسنة، وفاروق شوشة، وحسن طلب فى تطوير القصيدة العربية..
ـــــ إلى جانب الشعر، كانت كتابات رجاء عن الرواية العربية من أهم إنجازاته.. كان متحمسًا ليوسف إدريس، وفتحى غانم، ويحيى حقي، والشرقاوى، وعدد كبير من كتاب الرواية فى العالم العربي.. وتفرد بسيرة حياة عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، حيث كتب عنها بحب شديد وتقدير لمكانة محفوظ فى تاريخ الأدب العربي.. وقد سألته يومًا عن سبب سقوط عشرين عامًا من حياة محفوظ بين الثلاثين والخمسين من اعترافاته، فقال: «لأنه رفض تمامًا الحديث عن هذه السنوات ، ربما لأنها تحمل أسرارًا لا يريد أن يبوح بها»..
ــــــ كان مشوار رجاء مشوارًا سخيًا فى العطاء والتميز؛ فقد حافظ على مكانته ودوره ناقدًا مبدعًا، وكان كاتبًا عاش بكل الصدق قضايا وطنه وأمته، ولم يحاول أن يغير الأقنعة.. كان شديد الإخلاص لتجربة عبد الناصر، وكان رافضًا للكثير من مظاهر التراجع فى دور مصر الثقافى والسياسى والحضاري.. كانت له تجارب ناجحة فى «مملكة صاحبة الجلالة»، رئيسًا لتحرير أشهر المجلات الفنية فى مصر، وهى مجلة «الكواكب»، التى شهدت فى عهده تطورًا كبيرًا فى دورها الفنى والفكرى والثقافي. كذلك، كانت مجلة «الدوحة» صفحة مضيئة فى تاريخ الصحافة الثقافية فى العالم العربي، وقد كانت تجربة رجاء فى هذه المجلة من أنجح التجارب الصحفية، ومازال الشعب القطرى يذكر بكل العرفان والتقدير تلك التجربة.
ـــــ بعد سنوات من الغربة ، عاد رجاء إلى مصر، واستقر به الحال فى بيت صغير فى حدائق الأهرام، حيث كثيرًا ما التقينا فيه ودارت بيننا حوارات ممتعة فى كل قضايا الوطن.. لم يكن رجاء هادئًا ومسالمًا طوال الوقت، ولكنه كثيرًا ما غضب.. ويكفى أنه دخل فى معركة مع كاتبنا الكبير عباس العقاد. أذكر يومًا أنه اصطحب الدكتور لويس عوض وشاهدا معًا مسرحيتى «الوزير العاشق». وبعد أن انتهى العرض، ذهبنا للعشاء فى أحد المطاعم وسط القاهرة، ودار بين لويس عوض ورجاء النقاش حوارا حاد حول المسرحية وملاحظات عوض حول تاريخ العرب فى الأندلس والتجربة الحضارية التى أقامها المسلمون هناك..
ـــــ وكانت معركة رجاء النقاش مع العقاد واحدة من أكبر المعارك بين الكاتب الكبير والناقد الشاب.. ورغم أن رجاء كان حادًا وعنيفًا فى هجومه على العقاد، فإنه اعتذر لاحقًا.. وربما يذكرنا هذا بالهجوم الضارى للعقاد على أمير الشعراء أحمد شوقى فى كتابه «الديوان» مع المازنى. وقد كتب رجاء سلسلة من الكتب، منها: «العقاد بين اليمين واليسار»، «يحيى حقى: الفنان والإنسان»، «لويس عوض فى الميزان»، و«فدوى طوقان والمعداوى».. كما كتب عن محمود درويش فى كتابه «محمود درويش: شاعر الأرض المحتلة» ومن أجمل ما كتب رجاء هو كتابه الأشهر «ثلاثون عامًا مع الشعر»، حيث تناول فيه نخبة من أكبر الشعراء العرب.. وكان رجاء متابعا لرموز الإبداع على امتداد الساحة العربية وليس فى مصر وحدها وكان المثقفون العرب يضعون رجاء فى مكانة خاصة كصوت عربى أصيل.
ـــــ كان رجاء عروبى الهوى، وكان يؤمن بأن مصر الثقافة هى أغلى ما نملك.. وكان يعتقد أن الخطأ الجسيم أن نتخلى عن عروبتنا سياسيًا وثقافيًا وحضاريًا.. وكنت أتفق معه فى كل هذه المواقف.. رغم أننا التقينا فى وقت متأخر، فإننى أحببت رجاء النقاش وقدرته، إنسانًا نبيلاً مترفعًا.. جمعت بيننا أشياء كثيرة، خاصة بعد أن أصبح كاتبًا فى الأهرام.. وقد جمعت «صاحبة الجلالة» عددًا من أشقاء وشقيقات الناقد الكبير، كان منهم: وحيد النقاش، فكرى النقاش، فريدة النقاش، أمينة النقاش، وابنه سميح النقاش، وزوجته الراحلة د.هانيا النقاش، طبيبة الأطفال.
ــــ كان رجاء ناقدًا متفردًا يتعامل مع الكلمة، نثرًا أو شعرًا، بروح المبدع.. ولو لم يكن رجاء ناقدًا كبيرًا ، لكان شاعرًا أو روائيًا؛ فقد سيطرت على كتاباته روح الإبداع، فعاش النقد ولم ينسَ أنه يحمل روح المبدع.
ولا شك فى أن الحياة النقدية تفتقد رجاء النقاش الموقف والدور، فقد كان مدافعا عن الثقافة العربية، ويرى أنها من الثقافات الفريدة التى تمتد جذورها فى أعماق التاريخ، وقد تمتعت كتابات رجاء النقدية بتقدير خاص لدى القارئ العربى أمام ترفعه وحرصه على أن يكون صوتا للحقيقة.. فى آخر أيامه وكان يعانى صحيا كنت أذهب إليه ونتحدث فى كل القضايا وكنت أشعر بأنه يغلق ملفات مسيرته ورحلته التى شيدها بكل العمق والصدق والأمانة.
..ويبقى الشعر
فى هذه الأرض ِ الشريفةِ أشرقتْ
يومًا قلاعُ النـور والبركــــــــــاتِ
بدأ الوجودُ خطيئةً ثم انتهــــــى
بالصفحِ والغفـران ِفى عرفـــــاتِ
حتى أطل على الوجودِ محمــــدٌ
فتزينت عرفــاتُ بالصلــــــــــواتِ
فأضاء تاريخٌ وقامت أمـــــــــــة ٌ
بالحق ِتكتبُ أروع َالصفحــــــــاتِ
وسرى على أرجائها وحى الهدى
جبريلُ يتلو أقــــــدسَ الآيــــــــاتِ
ومحمدٌ فى كل ركن ٍ ساجـــــــدٌ
يُحيى قلوبًا .. بعد طول ِ مــــــواتِ
بدءُ الخليقةِ كان من أسرارهـــــا
حين استوت بالخلقِ فى لحظاتِ
وتزينت لنبيّها حتى بـــــــــــــدا
نورُ الرسالةِ فـوقَ كل حصـــــاةِ
وتكسرتْ أصنامُ مكة .. وانزوى
خلفَ الحطام ِ ضلالُ ليل ٍ عــاتِ
فى حضن ِمكةَ كان ميلاد الهدى
والدهرُ يشدو أعــذبَ النغمــــاتِ
أممٌ أفاقت من ظلام ِعهودهـــــــا
واستيقظت من بعدِ طول ِسُبــاتِ
ألقى عليك الحاقدون ضلالهـــــم
وتسابقوا فى اللغو والســــوءاتِ
أترى يعيب الشمسَ أن ضياءهـــا
أعمى حشودَ الجهل ِ والظلمــاتِ
لو يعلم الجهلاءُ رحمة ديننـــــــا
لتسابقوا فى البر والرحمـــــــاتِ
لم يشهد التاريخُ يوما أمــــــــــةً
جمعتْ حشودَ الحق ِفى لحظــــاتِ
لم تشهد الدنيا جموعًا سافــــــرتْ
عبرت حدود الأرض ِ والسمــواتِ
لكنه الإسلامُ وحَّد بينهـــــــــــــم
فتسابقــــــوا للهِ فى عرفــــــــــــاتِ
هذا هو الإسلامُ دين محبــــــــــةٍ
رغم اختلافِ الجــاهِ والدرجـــــاتِ
◙ ◙ ◙
يا للمدينة حين يبدو سحرُهـــــــــا
وتتيه فى أيامها النضـــــــــــــراتِ
ومواكبُ الصلواتِ .. بين ربوعها
تهتز أركانُ الضلال ِالعاتــــــــــــى
فى ساحةِ الشهداء لحنٌ دائـــــــــم
صوتُ الخيول ِ يصولُ فى الساحاتِ
والأفقُ وحىٌ .. والسماءُ بشائـــرٌ
والروضة ُ الفيحاءُ تاجُ صلاتِـــــــى
ويطوفُ وجهُ محمدٍ فى أرضهـــا
الماءُ طهرى .. والحجَيـج سُقـَاتـــى
ماذا أقولُ أمام نوركَ سيـــــــــدى
وبأى وجهٍ تحتفى كلمــاتـــــــــــــى
بالعدلِ .. بالإيمانِ .. بالهمم ِالتى
شيدتها فى حكمةٍ وثبــــــــــــــاتِ ؟
أم بالرجال ِالصامدينَ على الهـــدى
بالحق ِ ..والأخلاق ِ.. والصلواتِ ؟
أم أنه زهدُ القلوبِ وسعيهـــــــــــا
للهِ دون مغانم ٍ وهبــــــــــــــــاتِ ؟
أم أنه صدقُ العقيدةِ عندمـــــــــــا
تعلو النفوسَ سماحُة النيــــــــاتِ ؟
أم أنه الإنسانُ حين يُحيطـــــــــــه
نبلُ الجلال ِ وعفة ُالغايـــــــــاتِ؟
أم أنه حبُ الشهادةِ عندمـــــــــــا
يخبو بريقُ المال والشهـــــواتِ ؟
أم أنه زهدُ الرجال إذا علــــــــتَ
فينا النفوسُ عَلى نِدا الحاجــاتِ ؟
أم أنه العزمُ الجليلُ وقد مضــــى
فوق الضلال ِ وخسةِ الرغباتِ ؟
بل إنه القرآنُ وحى محمــــــــــدٍ
ودليلنا فى كل عصــــــر ٍ آت ..
◙ ◙ ◙
يا سيدَ الدنيا .. وتاجَ ضميـــــرها
اشفع لنا فى ساحة العثـــــرات ِ
أنا يا حبيب الله ضاق بـِىَ المدى
وتعثـرتْ فى رهبةٍ نبضاتــــى
وصفوكَ قبلى فوق كل صفــــاتِ
نورُ الضمير ِ وفجرُ كل حيـــاةِ
بشر ولكن فى الضمير ترفــــــعُ
فاق الوجودَ.. وفاقَ أى صفاتِ
وصفوكَ قبلى فانزوت أبياتـــى
وخَجلتُ من شعرى ومن كلماتى
ماذا أقولُ أمامَ بابك سيــــــدى
سكتَ الكلامُ وفاض فى عبراتى
يارب فلتجعل نهايةَ رحلتـــى
عند الحبيبِ وأن يراه رفاتـــــى
يومًا حلمتُ بأن أراه حقيقــــةً
ياليتنى ألقاه عند مماتــــــــــــى ..
------------------------
من قصيدة «على باب المصطفى» سنة 2010
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية