تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > فاروق جويدة > أمير الشعراء وكوكب الشرق وإهدار الحقائق

أمير الشعراء وكوكب الشرق وإهدار الحقائق

من الصعب أن تفصل ثقافة مصر عن جذورها العربية تاريخا ولغة ودورا وامتدادا والأصعب أن يرى البعض أن هناك ثقافة عربية بغير مصر وهذه القضايا حسمها الواقع والتاريخ والأدوار هناك حقائق ثابتة لا تقبل التشويه والمزايدة.. فى عالمنا العربى ملايين من أبناء الشعوب العربية عاشوا سنوات أعمارهم مع ثقافة مصر حبا وعرفانا وكانت زادهم الفكرى والثقافى والإنسانى..
 

> أولا : إن دور مصر الثقافى طوال قرن من الزمان كان الرصيد الحقيقى الذى أسهم فى تشكيل الثقافة العربية ومن الخطأ أن يقال إن الثقافة العربية كانت كيانا مستقلا بعيدا عن دور مصر ورموزها المضيئة والسبب فى ذلك .. أن أكثر من دولة عربية كانت تعيش محنة الاحتلال وتأثرت بدرجة كبيرة من مؤثراته وكانت اللغة العربية اكبر الضحايا وأن الصحوة التى شهدتها الثقافة المصرية كانت مصدر إشعاع حقيقى لما شهدته الثقافة العربية بعد انتهاء محنة الاحتلال..
> ثانيا : إن معظم التيارات الفنية والإبداعية وحتى الدينية انطلقت من مصر كانت السينما الفن الجديد مصرية بتاريخها ورموزها وقد انطلق معظم الفنانين العرب من القاهرة وحققوا شهرتهم من خلالها .. وكان المسرح هو الفن العريق الذى انطلق من مسارح القاهرة ومنها كان ظهور الفنانين الكبار الذين جاءوا من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين وشمال أفريقيا.. كان الإبداع الأدبى ممثلا فى المسرح والرواية من أهم مشاركات الإبداع المصرى هيكل باشا ونجيب محفوظ ويحيى حقى ويوسف إدريس وفتحى غانم وثروت أباظة ونعمان عاشور والشرقاوى ومن القاهرة انطلق الطيب صالح وحنا مينا وجبران وإيليا ابو ماضى وعمر ابو ريشة والجواهرى .. من ينكر دور طه حسين والعقاد ولويس عوض وسلامة موسى وذكى نجيب محمود والفن التشكيلى من راغب إلى صلاح طاهر ومختار..
> ثالثا : إن مصر تحملت مسئولية تاريخية فى قضايا الإصلاح الدينى وخدمة الإسلام من خلال أزهرها الشريف وعلمائها الإجلاء ابتداء بالإمام محمد عبده وشلتوت وعبدالرازق وعبدالحليم محمود وخالد محمد خالد والشعراوى والغزالى وطنطاوى واحمد الطيب وعمر هاشم.. وكانت جامعة القاهرة جامعة كل العرب بحثا ودراسة وبريقا..
> رابعا : إن مصر هى التى احتضنت علم القراءات من خلال قرائها العظام ويمكن أن يقال إن علم القراءات كان علما مصريا خالصا وكان مصدر إشعاع تعلم فيه معظم قراء القرآن الكريم فى الدول الإسلامية وكانت فى مصر اكبر كوكبة من القراء من محمد رفعت ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط وابو العينين شعيشع والمنشاوى والبنا والشعشاعى وهؤلاء القراء هم الذين حافظوا على انتقال القراءات الصحيحة لكل المسلمين فى بلاد العالم..
> خامسا : إذا اقتربنا من ساحة الفنون خاصة الموسيقى والغناء فان مصر هى التى قدمت للعالم الإبداع الحقيقى من خلال سيد درويش وعبدالوهاب والسنباطى وبليغ حمدى والموجى وكمال الطويل واحتضنت المطربين والملحنين العرب من لبنان وسوريا والعراق والخليج وكانت أسطورة الغناء العربى أم كلثوم صوت الشعوب العربية كلها..
> سادسا: إذا دخلنا حديقة الإبداع شعرا ومسرحا وفنونا فنحن أمام قامات ورموز أسهمت بدور كبير فى تشكيل وجدان الإنسان العربى.. فمصر هى التى قدمت أحمد شوقى وحافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل وناجى ورامى وكامل الشناوى وأمل دنقل وصلاح جاهين ومأمون الشناوى وحسين السيد وعبدالوهاب محمد والأبنودى وحجازى وصلاح عبدالصبور وفاروق شوشة وهى التى قدمت نزار قبانى والشابى وبيرم التونسى ودرويش والفيتورى وسعاد الصباح والبردونى وفدوى طوقان كل هذه الأسماء انطلقت من القاهرة وأخذت مكانتها فى الوجدان العربى..
> سابعا: لا ينكر دور مصر الثقافى إلا مكابر يغالط حقائق التاريخ ويشوه ذاكرة الشعوب وإذا انتزعنا دور مصر فى تاريخ وواقع الثقافة العربية فلن يبقى لها شيء، إن الأمانة تقتضى ألا نخلط خلافات وحسابات السياسة بالأدوار الثقافية الكبرى التى شكلت وجدان الشعوب وأنارت عقولها.. إن دور مصر الثقافى كان أعظم أدوارها والأرض التى أخرجت رموز الفكر والإبداع عشرات السنين لا يستطيع احد إنكارها لأنها مشاعل أضاءت وعلمت وشكلت وجدانا وخلقت زمانا من القيمة والرقى والترفع
> ثامنا: هذه مقدمه طالت توقفت فيها عند القليل من دور الثقافة المصرية وهو أهم وأعظم أدوارها أقول فوجئت بحملة تجريح ظالمة لقمتين من قمم الإبداع المصرى وصلت إلى حد التجريح بل والاهانة كانت الأولى فى حق أمير الشعراء أحمد شوقى وكانت الثانية ضد أم كلثوم أسطورة الغناء العربى وللأسف أن الهجوم جاء من اتجاهات متعارضة فى الفكر والمواقف .. هل هناك من يجرؤ أن يسلب من شوقى شاعريته وهو الذى ملأ هذه الكون بروائعه - ألا تحب شعره هذه قضية ! أما أن تحرمه من تاريخه كقمة شعرية فريدة فهذا خطأ مقصود - ..
ـــ إن شوقى أعظم من كتب المدائح فى رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام وهو أول من كتب المسرح الشعرى فى تاريخ الأدب العربى وهو شاعر عاش كل قضايا أمته نصرا وهزيمة وخسارة وإنجازا .. ولم يكن شوقى فى حاجة للقب أمير الشعراء لأنه صاحب مملكة جمعت قلوب الملايين، وان ترفض شعر شوقى أو تحبه فهذه قضية تخضع لاعتبارات كثيرة شخصية أما النقد وتحديد الأدوار فهذه أحكام يجب أن تخضع لقوانين العدالة والتقدير والتقييم السليم ..
ـــــ لقد حزنت أن يأتى هذا الحديث على لسان شاعرنا ومنظرنا الكبير أدونيس فى حديث نشره الأهرام مع الزميل محمد القزاز، اننى أختلف كثيرا مع توجهات أدونيس وأحكامه وحوارييه ولكن شوقى اخذ مكانته فى تاريخ الشعر العربى ولن يزحزحه احد.. أما كوكب الشرق أم كلثوم فقد تعرضت لهجوم ضار وصل إلى اتهامها بإفساد الشعوب على لسان الكاتب الإسلامى الكويتى عبدالله النفيس هذا كلام لا يليق خاصة إذا جاء على لسان مفكر يتحدث باسم الدين.. إن الشعوب العربية لم تجتمع يوما كما اجتمعت على صوت أم كلثوم وكانت الحشود من عشاق فنها تتوافد إلى حفلاتها فى القاهرة فى طائراتها الخاصة وطافت كل العواصم العربية وأقامت الحفلات فيها وأم كلثوم هى التى وحدت الشعوب العربية وكانت تقيم أعظم قمة لوحدة الشعوب على الفن الجميل والإبداع الراقى.. وأم كلثوم قدمت للغة العربية أكبر خدمة فى تاريخنا الحديث فقد اختارت أجمل القصائد التى ارتقت بالذوق العربى وغنت لعدد كبير من الشعراء العرب عبدالله الفيصل وجورج جرداق وبيرم التونسى ونزار قبانى واقبال والهادى آدم... وكانت نموذجا فى الرقى والترفع شكلا وغناء واحتراما للفن لقد اختارتها مجلة أمريكية ضمن ٢٠٠ من المطربين الأجمل فى العالم فى استفتاء من رموز الفن والغناء فى العالم واختارت اليونسكو منظمة الثقافة العالمية قصيدة الأطلال أغنية القرن ومازالت مبيعات أغانى أم كلثوم تحقق أعلى أرقام البيع فى سوق الأغنية العربية.. إن عشاق أم كلثوم وهم بعشرات الملايين فى العالم العربى يرفضون هذا الأسلوب الجارح فى نقد وتشويه رموز عظيمة شكلت الوجدان العربى مثل احمد شوقى وأم كلثوم.. إن شوقى كان أميرا للشعر العربى وأم كلثوم كانت سيدة الغناء العربى وكلاهما ينتمى إلى شيء عظيم يسمى الثقافة العربية..
ـــــ إذا كان ولا بد من العتاب وتحديد المسئولية فنحن الذين أسأنا لرموزنا وشوهنا تاريخنا وتمادينا فى إسقاط رموزنا وكثيرا ما شاهدنا حملات مدبرة ابتداء بمقدسات عشنا عليها وانتهاء بتاريخ غابت عنه كل الحقائق ويكفى الهجوم على كل رموزنا السياسية والدينية والفنية..
ـــــ تبقى عندى كلمة أخيرة أن عواصف السياسة فى عالمنا العربى فى أحيان كثيرة تجتاح كل شيء فى ساعات غضب أو حسابات خاطئة وتلقى الحجارة على رموز ارتقت بشعوبها ذوقا وفكرا ووجدانا، ما أكثر العقلاء من أبناء شعوبنا العربية الذين يقدرون دور وتاريخ وعطاء الثقافة المصرية فى عصورها الذهبية وسوف تبقى الثقافة حصن هذه الأمة ومجدها الحقيقى وشمسها التى لن تغيب ..
 
..ويبقى الشعر
ويلٌ لأرضٍ ماتَ فجرُ ضميرها
موتُ الضمائِر قمـــــــةُ المأســــاةِ
لكننى أيقنتُ أن رسالتــــــــــــى
فيها الهدى من خالقِ السمـــــــواتِ
بلـّغْتُ يا اللهُ فاشهد أننــــــــــــــــى
لم أنس حق رعيتى ورُعاتـــــــــى
زوروا المدينةَ.. واذكرونى عندها
من زار قبرى صافحته حياتــــــــى
أنا لم أكن إلا رسولا قد خلـــــــتْ
قبلى رسالاتٌ وهدىُ عظـــــــــــاتِ
بشرٌ انا .. ما كنتُ ربًا بينكــــــــم
بل كنت فجرًا لاح فى لحظــــــــاتِ
وأفاضَ فى الدنيا .. وأيقظ أهلهـــا
بالحق.. والَتـَنزيل .. والآيـــــــاتِ
فإذا بدا فى الأفق غيـــمٌ عابــــــثٌ
صلوا على .. وأكثروا الصلــواتِ
< < <
ركبُ الزمانِ يطوفُ فى نظراتى
وتتوهُ فى عمق المدى كلماتـــــــى
ماذا أقول ونورُ وجه المصطفـــى
كالصبـِح أشرقَ فى شواطئ ذاتى
ويطلُ وجُهكَ فى الحجيج كأنــــه
وجُه السماء أضاءَ فى جنباتــــــــى
يا سيدَ الخـُلـُق الرفيع تحيـــــةً
من كل شوق فاضَ فى عرفــــــاتِ
طوفتَ فى أرجاءِ مكة ساعيـــــًا
وعلى منىَ ألقيتَ بالجمـــــــــــراتِ
ونظرتَ للأفق البعيدِ وحولــــه
تسرى أمامكَ جنة الجنـــــــــــاتِ
ووقفتَ تصرخ يا الهى أمتـــى ..
فيجيبُ رب الخلق بالرحمـــــــاتِ
لم تنس أمتكَ الحزينة كلمــــــا
هرعت جموعُ النــاس بالدعــــواتِ
وسألتَ رب الكون هذا حالـُهم
فقرٌ.. وجوعٌ .. وامتهانُ طغــــــــاةِ
يارب هذى أمتى مغلوبــــــــــة
ما بين حكمٍ جــائــرٍ .. وغــــــزاةِ
الركبُ ضل وشردته عواصـــفٌ
بالعجزِ ..والطغيــانِ .. والنكبــاتِ
جمعتهم فى كل شــىء كلمــــــــا
نادى المــــؤذنُ داعيــًا لصــــــــلاةِ
والآن صاروا فى الحياة بلا هدى
تبدو عليهم سكــــرة الأمــــــــواتِ
أنا فى رحابك جئتُ أحمل أمــــة
ماتت على أطلالهــا صرخــاتــــى
والحاقدونُ على الضلال تجمعوا
والأمةُ الثكـلى فلــــولُ شتــــــــــاتِ
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية