تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > علي هاشم > ..وفي "الجمهورية" كانت لنا أيام..!!

..وفي "الجمهورية" كانت لنا أيام..!!

من مفارقات القدر أني ولدت قبل ميلاد "الجمهورية" بيومين، إذ وُلدت الجريدة من رحم ثورة يوليو في 7 ديسمبر 1953؛ مدافعة عن أحلامها وآمالها، وقد بدأتُ رحلة كفاحي في أروقتها لأكثر من 45 عاماً..عاصرت فيها كثيرًا من الأحداث والأشخاص والمواقف والتحولات الكبرى..رأيت من تلون ومن نافق..من أخلص ومن كافح في بلاط صاحبة الجلالة التي لم تبخل علينا ولم نتوان عن البذل والعطاء ما وسعنا الجهد..!!
نجحت في الثانوية العامة بمجموع كان يؤهلني للالتحاق بأي كلية يتمناها خريج القسم الأدبي أيامها، لكني مدفوعاً بعشقي للصحافة فضلت معهد الإعلام الذي حل بديلاً لقسم الصحافة بآداب القاهرة..وبالفعل تقدمت للمقابلة الشخصية التي نجحت في اجتيازها ضمن مائة وخمسين آخرين من إجمالي 1000 طالب تقدموا لها.. ويومها التقيت الصحفي الكبير جلال الحمامصي رائد المهنية والالتزام، الهادئ المبتسم الذي يؤسرك بشخصيته فتنجذب إليه بصورة طبيعية.. وكان أحد أعضاء اللجنة المختصة بتقييم المتقدمين للمعهد.
تأثرت بالحمامصي مع كثيرين غيري من أبناء دفعتي، ولمَ لا وقد كان الرجل أحد رواد الكتابة والحملات الصحفية والإخراج وصاحب المقالات القوية والبصمات المميزة..ولم يكن يضن بعلمه ولا بوقته، بل يبادر بالحضور قبل المحاضرة ويدفعك بحرصه وحيويته واقتداره إلى التفاني في التحصيل الدراسي والاجتهاد والإبداع.. وتشربنا على يديه مبادئ الصحافة وأساسياتها في قاعات الدرس وفي التدريب العملي بجريدة صوت الجامعة.
الحمامصي رحمه الله كان مدرسة متفردة في الصحافة وفي التواصل الإنساني مع تلاميذه، كان يرهف السمع إلينا، ويتفاعل مع أفكارنا ويحترم حقنا في الاختلاف..حبّب إلينا مهنة الصحافة وأخذ بأيدينا لارتيادها بشغف ورغبة في تحقيق الذات حتى اجتزنا أولى محطاتها وأجملها لأعمل بعدها محررًا بجريدة الجمهورية التي كان يرأس تحريرها آنذاك الصحفي الكبير محسن محمد بقرار من الرئيس السادات عام 1975.
والحق أني عرفت الصحفي الكبير محسن محمد منذ كان مديراً لتحرير الأخبار حيث كنت أقضي فترة تدريبي حين طلب مني الانتقال معه للجمهورية بعد أن جرى تكليفه برئاسة تحريرها..تعلمت على يديه الكثير والكثير فقد كان قارئاً جيداً وصحفياً من طراز فريد يعرف كيف يجذب القراء وقد ارتفع بتوزيع الجمهورية من 38 ألف نسخة إلى 800 ألف، وهو رقم غير مسبوق ليس في الجمهورية وحدها بل في كل الصحف المصرية والعربية آنذاك.
"الجمهورية" كانت أجمل محطات حياتي حيث صدر قرار تعييني فيها دون واسطة ولا محسوبية في ١٩٧٦ عام تخرجي؛ في ظل قيادة محسن محمد الذي كان يرفض المجاملة والوساطة ولا يرضى بغير الكفاءة والمهنية معياراً ومسوغاً للتعيين..وقد نجح بفضل، هذه الصفات، في تجديد شباب الجريدة ودفعها لآفاق غير مسبوقة في دنيا الصحافة حتى أنه- في رأيي وبلا مبالغة- واحد من صناع صحافة القارئ في عالمنا حتى هذه اللحظة.  
وقد ترقيتُ خلال رحلة  عملي بالجمهورية من محرر لرئيس قسم ثم نائباً لرئيس التحرير ثم نائباً أول، فرئيساً لتحرير كتاب الجمهورية ثم رئيساً لمجلس إدارة دار التحرير (الجمهورية للصحافة) والحمد لله أني مع كل صعود في عملي لم أكن أطلب ترقية ولا منصباً من أحد، بل كان صعودي بتوفيق الله وإيماني بأنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، ومن ثم اجتهادي وحبي للمهنة.
وثمة محطة أراها مهمة في مشواري الصحفي وهي تكليفي من الكاتب الصحفي الكبير سمير رجب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير بتأسيس والإشراف على قسم 139 جمهورية "الخط الساخن" الذي انفرد بتقديم خدمة صحفية انفردت بها الجمهورية وامتازت على سائر الصحف في العالم العربي كله؛ إذ كان مندوبوه الذين شاركت في اختيارهم كشرط لقبول الإشراف على القسم، يتواصلون  مباشرة مع "الديسك"، ويتلقون شكاوي الناس واستغاثاتهم واتصالاتهم، والطواف بها على المصالح والأجهزة الحكومية المختلفة وطرق أبواب المسئولين بحثاً عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعاً لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة والأعذار .. ومنهم من يقوم على صياغتها وإعدادها للنشر وتحويلها لتحقيقات وحملات صحفية عاجلة حققت نجاحات باهرة شكلت قناة تواصل سريعة بين المسئول والمواطن.
وبعد أحداث يناير 2011 بادرت بتقديم استقالتي من رئاسة مؤسسة دار التحرير دون تردد في اجتماع دُعيت إليه ضمن قادة الإعلام القومي والخاص مع رئيس الوزراء آنذاك الفريق أحمد شفيق ومن قبله في اجتماع المجلس العسكري.. كما طلبت من جميع الزملاء ومنهم أحياء يرزقون أطال الله أعمارهم أن يتنحوا عن مواقعهم لإفساح الطريق لجيل جديد بروح المرحلة الجديدة، استجابة للمطلب الأول للمتظاهرين بإبعاد كل من له صلة بالنظام السابق.
لقد تقدمت باستقالتي 3مرات ومعي الزميل عبدالقادر شهيب رئيس دار الهلال وقتها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفي النهاية تم قبولها، بعد أن رفض بقية الزملاء ترك مواقعهم طواعية ومواءمة لظروف كانت تحتم الاستقالة التي كانت ستجيء عاجلاً أم آجلاً..وربما كان قبولها سبباً في التعجيل بالتغييرات الصحفية التي طالت الجميع..ويومها أدركت أن الإعلام القومي صمام أمان هذا البلد، وإصلاحه أولوية ينبغي لها أن تتقدم ما سواها في الأهمية إذا أردنا شعباً واعياً وحيوية مجتمعية وروحاً معنوية عالية ورأياً عاماً داعماً للدولة.
وفي مسيرة الجمهورية تاريخ عريق ازدان بعمالقة الفكر والأدب؛ مثل عميد الأدب العربي طه حسين الذي كان واحداً من رؤساء تحريرها وهو ما جعلها ديواناً للأدب ونبراساً للثقافة.. كما أسهم في تحريرها كبار الكتاب ليس في الأدب وحده بل في الفنون والقانون والتاريخ والدين والطب والعلم ويضيق المقام عن ذكر هؤلاء القامات الأفذاذ.
وأذكر أن دفعتي (٧٦ صحافة ونشر ) كان عددهم ٧٨ أذكر منهم : د.ليلي  عبد المجيد ود.نجوي كامل وعماد الدين أديب  وعمرو  عبد السميع وحمدين  صباحي وعبدالله السناوي  وغيرهم مما  اعتز بهم جميعآ وافخر أيضا أنني  كنت الوحيد  من دفعتي الذي تولى رئاسة مؤسسة  صحفية قومية كبري كان  أول  من رأسها الرئيس  الراحل أنور  السادات.
ويبقي  أنني  حاولت قدر المستطاع إدخال  أحدث  التكنولوجيا في عالم  الصحافة وفنونها للجمهورية .. لكن ذلك جرى نسفه نسفا في عهود من جاءوا بعدي.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية