تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
علينا أن نعي رسائل الرئيس..!!
لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بقيادات الإعلام والصحافة، يبعث برسائل مهمة، مفادها أن الإعلام ليس ترفًا ولا تزيينًا للصورة، بل هو شريك أصيل في بناء الشخصية الوطنية وصياغة وعي المواطن وترسيخ القيم والثوابت وإبراز إنجازات الدولة.
توجيهات الرئيس بمثابة خارطة طريق واضحة: تطوير شامل يواكب المتغيرات المتسارعة، ابتعاد عن المغالاة والنقص في الطرح، اعتماد على الكوادر الشابة المؤهلة، ترسيخ ثقافة “الرأي والرأي الآخر”، وإتاحة المعلومات والبيانات خاصة في أوقات الأزمات، والعناية بالحالة المادية للصحفيين عبر زيادة بدل التكنولوجيا وغيره.. لكن بين وضوح الرؤية وصعوبة التنفيذ، تظل الفجوة واسعة، والمشهد الإعلامي لا يزال أسير مشكلاته القديمة.
فمتى ننتبه لخطورة ضعف الإعلام وترك الرأي العام نهبًا للشائعات وحملات التضليل؟ متى ندرك أن ترك المواطن بلا معلومات موثوقة يفتح الباب أمام الإعلام المعادي ليبني سرديته على أنقاض الحقيقة؟ ومتى تتحول توجيهات الرئيس إلى واقع ملموس، يلمسه الناس في نشرات الأخبار وصفحات الصحف وشاشات الفضائيات ومقالات الرأي وبرامج التو شو التي صار أغلبها زعيقًا وصخبًا وهجوماً لا تسنده الموضوعية ولا تقويه الجاذبية وقوة التأثير؟
لقد حذر الرئيس مرارًا من الوعي الزائف الذي يضعف الجبهة الداخلية، لكن السؤال المؤلم: هل وعى إعلامنا حجم مسؤوليته التاريخية في هذه اللحظة الفارقة؟
الإعلام القوي ليس أمورًا كماليّة ولا رفاهية، بل هو من صميم قوة الدولة. فأية دولة واجهت تحدياتها أو انتصرت على أعدائها دون إعلام يقظ ومسئول؟ وكيف نرجو نهضة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في غياب إعلام يصوغ رؤية وطنية، ويشتبك مع قضايا الأمة، ويصارح المواطن بالحقيقة بلا مواربة؟
المؤسف أن إعلامنا يعاني منذ فترة طويلة، بعدما تحوّل في كثير من منصاته إلى مهنة من لا مهنة له، وغاب عنه التدريب العميق، وحلّت لغة الإثارة محل المهنية، وتهمّش أبناء التخصص لحساب وجوه تبحث عن الأضواء ولو على أنقاض الرسالة.
النتيجة أننا أمام مشهد يفتقد البوصلة، ينشغل بالتفاهات ويفتعل المعارك الوهمية ويترك القضايا الكبرى على الهامش. أما أوضاع الصحفيين فحدّث ولا حرج؛ يقبعون في قاع الأجور بين فئات المجتمع، فكيف نطالبهم بتحقيقات جريئة وتغطيات ميدانية ومحتوى محترف! وهل تكفي زيادة بدل التكنولوجيا لتصحيح هذا الخلل المزمن، أم أن الأمر يحتاج إلى موارد جديدة وآليات تمويل مبتكرة تعيد للصحفي كرامته المادية وتوازي حجم مسئوليته الوطنية؟
إذا أردنا إصلاحًا حقيقيًا، فلا بد من تطهير المهنة من الدخلاء، ووضع معايير حاكمة لمزاولتها، وإلزام كل من يتصدر الشاشة أو يكتب الكلمة بالعلم والخبرة والتدريب. يجب أن تتدفق المعلومات إلى الصحفيين بلا توقف، وأن يُعاد بناء الثقة بين الجمهور والإعلام القومي الذي فقد بريقه في عيون كثيرين. نحتاج إلى محتوى أكثر عمقًا، قريب من نبض الناس، ملامس لهمومهم، ومعبر عن طموحاتهم. نحتاج إلى إعلام يعكس قوة مصر الحقيقية، ويصدّر للعالم صورة صادقة عن إنجازاتها وقدرتها على مواجهة المتغيرات والتحديات، إعلام مقنع بالوثائق والمعلومات لا بالصوت العالي والزعيق المتعالي.
ويبقى السؤال الأهم: متى نرى الإصلاح واقعًا حيًّا لا شعارات متكررة؟ المعركة مع الشائعات وحروب الجيل الرابع والخامس لا تحتمل التأجيل، وكل يوم يمر بلا إصلاح يترك ثغرة في جدار الوعي الوطني. فالإعلام القوي هو سلاحنا ودرعنا في آن واحد، وإذا فقدنا هذا السلاح، فكيف نواجه أمواج التضليل التي تتربص بالوطن؟
الإعلام ليس فهلوة ولا لعبة شهرة، بل علم ورسالة وأمانة، وهو القادر إما على بناء الأمة أو هدمها بكلمة أو صورة أو لقطة. ولن تعود له مكانته وهيبته إلا إذا اجتمعنا على كلمة سواء: إعلام وطني حر ومسؤول، ينهض بالوطن ويحمي وعيه، ويصون حق المواطن في المعرفة، ويكون بحق قوة من قوة الدولة وسندًا لها في معركة الوعي التي لا تنتهي.
ليتنا نبادر بترجمة توصيات الرئيس على أرض الواقع، بوضع جدول زمنى معلن يشمل خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، عبر الاستعانة بكل الخبرات والكفاءات المتخصصة، بما يضمن مواكبة الإعلام الوطني للتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.
فإذا شعر المواطن وهو بوصلة التغيير الحقيقي بأن هناك إعلامًا مهمته الأولى تصحيح الوعي لا تقديم ما يحبه المشاهدون بتناول الموضوعات بعيداً عن المغالاة في الطرح أو النقص في العرض.
متى نرى الاعتماد على الكوادر الشابة المؤهلة للعمل الإعلامي، وتنظيم برامج تثقيفية وتدريبية للعاملين في هذا المجال، مع التركيز على مفاهيم الأمن القومي، والانفتاح على مختلف الآراء، بما يرسخ مبدأ “الرأي والرأي الآخر” داخل المنظومة الإعلامية المصرية.
إذا تحقق ذلك فلن نعود لسؤال رددناه كثيرًا: هل قام إعلامنا وصحافتنا بدورهما في تحصين الرأي العام من رياح الفتن التي تهب من الفضائيات والمواقع الكارهة لمصر..؟!
هل يُنظر إلى الإعلام والصحافة ليس بوصفهما سلعة تحقق الربح أم رسالة تنوير تبني الوعي وتوقظ الهمم وتخلق ظهيراً شعبياً مساندًا للدولة في مراحل تحولاتها الكبرى..؟!
حال إعلامنا وصحافتنا لا يخفى على أحد، ولا يجادل أحد في شدة احتياجهما للتطوير والإصلاح العاجل الذي تأخر كثيراً..ولا يخفى على أحد أن من أسباب هذا الترجع أن الإعلام والصحافة صارا مهنة من لا مهنة له، فكثرة الدخلاء عليهما لم تحرم فحسب خريجي الإعلام الحقيقيين من فرصهم المستحقة في العمل بمهنة تخصصوا في دراساتها وتعبوا لأجل الحصول على شهاداتها بل حرمت الجمهور كذلك من سمو الرسالة ومبادئها وجودة محتواها وموضوعيتها.
وكم رأينا برامج تليفزيونية لا يملك مقدموها أدنى مقومات النجاح وكم رأينا أصحاب أقلام تسللوا إلى الصحف دون تدريب أو خبرات في غيبة المعايير والقواعد الحاكمة للمهنة حتى بات من الضروري تنقية جدول نقابة الصحفيين على غرار ما جرى بنقابة المحامين ..!!
أما غير ذلك فنتائجه معروفة: تدني الثقافة والأخلاق ونشر الإحباط وعزوف الناس عن ساحة الإعلام التي تعج بوجوه كثيرة لا جمهور لها ولا فكر ولا مقومات إلا النعيق والزعيق، ولا غاية إلا حصد الشهرة وتأمين المصالح الخاصة على حساب الوطن ..وبعد أن كان إعلامنا يشار إليه بالبنان تحول بفضل هؤلاء الدخلاء إلى فضاء يموج باللت والعجن والدجل والشعوذة وافتعال معارك وهمية وترويج فضائح المشاهير وخناقاتهم وفتاوى الفتن المنافية لقيمنا الأصيلة وهتك الحرمات وانتهاك الخصوصيات وتهويل نقائص المجتمع وكشف عوراته..
غياب الحس الإعلامي ولا أقول الوطني سببه افتقاد العلم والخبرة والموهبة وانعدام التدريب وتناقل الخبرات والجهل بدور الإعلام وحدوده ومقتضياته؛ فالإعلام شأنه شأن أي مهنة هو علم لا فهلوة لكن كثيرين يتجاهلون حقيقة مهمة مفادها أن الجميع يدفع أحياناً ثمن أخطاء بعض الإعلاميين ؛ المجتمع والدولة وحتى الأفراد العاديون الذين ينالهم الأذى حين تنتهك حياتهم الخاصة.
ما أحوجنا اليوم لاستعادة المعايير الموضوعية الضابطة للأداء الإعلامي؛ معايير ترتقي بالمهنة وتحميها من الانفلات..وتلك مطالب مشروعة يحدونا أمل عريض أن يتبناها القائمون على أمر الإعلام استجابة لتوجيهات الرئيس، وإعلاء لقيم مهنة عريقة آن الأوان أن تستعيد رونقها ومكانتها.. وعلينا أخيرًا ان نعي رسائل الرئيس!!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية