تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

حصاد السخرية ..!!

ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال لقائه عددا من قادة القوات المسلحة، بمقر القيادة الاستراتيجية، إنه ليس من اللائق الاستخفاف والسخرية من الآخر حتى لو كان هناك قدر من المعرفة والقدرة لديك يفوق الشخص الآخر..

وتلك ولا شك رسالة قوية تعلى من قيم احترام الآخر وعدم الاستهانة  أو التنمر به مهما يكن ضعيفا أو ذا عاهة أو مسكينا، فمثل هؤلاء الضعفاء يرزقنا الله بهم  وبسببهم يمنع عنا الأذى  .

 إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا عبثا بل إن  كل شيء عنده بمقدار ولكل مخلوق غاية ووظيفة أعظمها تسبيح الله (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)،  وأدناها لا نعلم عنه إلا قليلا أو ربما لا نعلمه أصلا، ويخفى علينا الكثير والكثير من أسراره ، حتى الأشياء التي نكرهها ولا نطيق رؤيتها أو سماع اسمها خلقها الله لوظيفة تعجز مداركنا وعلمنا المحدود عن فهم غايتها اللهم إلا من كان عالما متخصصا في شأنها تحديدا.

السخرية من الآخرين والاستهزاء بهم سلوك مرفوض،  نهى عنه الله تعالى قطعيا بآيات بينات، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الحجرات: 11).

بعضنا يرى المزاح المبطن بالسخرية من الغير شيئا هينا لا يلقى له بالا، ولا يكترث بعاقبته، وهو أمر لو تعلمون عظيم ، وإذا أردت أن تعرف ضرره أو وقعه على النفس فضع نفسك موضع الشخص الذي تسخر منه..فهل يروق ذلك أم ستشعر بمهانة ومذلة ودونية ربما تدفع ضعاف النفوس لليأس من حياتهم ..وما أدراك ما اليأس!!

 ناهيك عن أن كل منطوق سنحاسب عليه.. ولنا في موقف الصحابي الجليل معاذ بن جبل المثل والعبرة حين سأل رسول الله قائلاً: أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله فرد عليه النبي الكريم قائلا : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخيرهم أو على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم.."

 ومن ثم فإن هذا النهي يشمل حال الجد وحال الهزل، فلا فرق بينهما ..ومع ذلك فإن بعض الناس يطلقون لأنفسهم العنان ويتخذون من المزاح سبيلا للسخرية من الآخرين واحتقارهم دون مبالاة، ربما بدافع التسلية وإزجاء الفراغ، أو التعالي والخيلاء والغرور..!

وأيا ما تكن الدوافع والأسباب فإن السؤال: لماذا نهى الله تعالى المؤمنين عن تبادل الشتائم، والتنابذ بالألفاظ القبيحة؟!

والجواب ببساطة لأن ذلك يوغر الصدور ويجلب الأحقاد ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس ، ولعلَّ مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار واستخفاف يكون  خيرا وأحب إلى الله تعالى من الساخر الَّذي يغتر بنفسه ويراها في منزلة الكمال ويرمي غيره بالنقص ويفضح عيوبه.

السخرية من الآخرين تنطوي على كبر مبطن، والساخر تنطوى نفسه على نرجسية وإعجاب بالذات دفعته لمثل هذا المسلك المعيب، ومادَّة السخرية لا تنبعث إلا من نفس قد سيطر عليها العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة، فهو كمن يرى القذى في عينيه ولا يرى الخشبة في عينيه.

ولنا في قصة آدم وإبليس المثل والعظة ..ألم يستهن  إبليس بآدم ويسخر منه قائلاً: { أنا خير منه }، فباء بالخسران والخذلان، ولو أنه أمعن النظر في صفات آدم لأدرك أنه يمتاز عليه بصفات كثيرة، أوجدها الله تعالى فيه ليكون مخلوقاً متوازن الصفات والاستعدادات، فعنده استعداد للخير ونوازع  للسوء، وعقل للتمييز وقلب للتنوير، ومن ثم فهو قد حباه الله جميع الملكات الَّتي تصلح كأدوات للصراع بين الخير والشر، يخوضه الإنسان ويميِّز به الخبيث من الطـيِّب، وتتقرَّر به درجات الإحسان أو الإساءة.

وعلى النقيض تماما فلم يكن إبليس معتدلاً بل إن بلوغه رتبة عالية في الطاعة والعبادة، أغوته بالكبر والظن بأنه الأفضل،  فعصى ربه وخالف أمره وأصبح زعيماً للشر وأهله، وباء بغضب الله تعالى ولعنته. ولولا دواعي الكبر المتأصِّلة في نفسه، لأدرك الفضل والكرامة لآدم والمكانة المتميزة التي له عند ربِّه، فلم يستهن به ولم يسخر منه. 

فهل ترضى أيها الساخر من غيرك أن تضع نفسك مع إبليس اللعين في خندق واحد .؟!

 أما  أخطر ما في سخرية الإنسان من أخيه الإنسان فإنها أقصر الطرق لهدم العلاقات الإنسانية، وإضعاف المجتمع وتمزيقه شرَّ مُمزَّق، حيث يستعلي المرء بماله، أو حسبه، أو جاهه مفاخرة ومباهاة وتحقيراً للآخرين، دون أن يدرك إمكانية تفوُّقهم عليه بمواصفات لا تتوافر فيه هو، تماما كما رأى إبليس نفسه فوق ادم منزلة لا لشيء إلا لأنه خلق من نار بينما خلق الله آدم من طين ..فهل كان لإبليس فضل في خلق نفسه..؟!

أما الشيطان إبليس فيضع كل هذه الموبقات بين أيدي الخلائق ليفرِّق بينهم، وليزرع العداوة والبغضاء في قلوبهم..رغم أن أكثر ما يتكبر به هؤلاء ويتباهون به ليس في الحقيقة من صنع أيديهم، بل هو محض فضل وإنعام من الله تعالى ليختبر به عباده ليتبين الصادق من الكاذب.

بعض أولئك المستهزئين يبرر ما يفعله بأنه يمزح مع من يستهزئ بهم ويسخر منهم، وينسي هؤلاء أن للمزاح  ضوابط لا يجوز تعديها، و ألا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالخلق، فليس لأحد أي فضل في تكوينه ولا يد في خلقته، وعليه أن يحمد الله في كل حال، فالخلق صنع الله، ومن أحسن من الله صنعا ..فلا تستطل على الله بجمال خلقتك وتذم. الآخرين لدمامتهم..ولا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك.

أما  المزاح بالسخرية والاستهزاء بالآخرين فقد عده بعض أهل العلم من الكبائر وقد  نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السخرية من المسلمين فقال: "المسلم أخو المسلم لا يظـلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى هاهنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بِحَسْبِ امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه". (رواه مسلم).

ما أجمل أن نتواضع لخلق الله وألا نعيب على الخلق شيئا والأحسن أن ننْـزِل النـاس منـازلهم وأن نمتدح صفاتهم وأخلاقهم الحميدة لتعزيز هذه المكارم في المجتمع، أما المزاح المعيب فقد يفضي إلى سوء الأدب أحيانا ومن ثم فعلينا الابتعاد عن المزاح المسيء؛ إذا أردنا مجتمعا متماسكا سويا قويا..قادرا على مواجهة التحديات ولن يحدث ذلك إلا بالحب والتسامح واحترام الآخر.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية