تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > علي هاشم > شتان بين رمضان زمان.. والآن!!

شتان بين رمضان زمان.. والآن!!

كلما شاهدت برنامجًا أو مسلسلاً من دراما هذه الأيام ترحمت على أيام زمان، فشتان بين البساطة والنقاء الروحي وبين التفاهة والابتذال..أما الآن فقلما تجد برنامجًا يعطيك جرعة ثقافية أو دينية باستثناء برنامج شيخ الأزهر د.أحمد الطيب .. فمثلًا ماذا يريد برنامج مقالب يعرف ضيوفه مسبقًا، وهم في الغالب فنانون ومشاهير، ما سيحدث لهم من إهانة  ورغم ذلك فهم يقبلون بالظهور فيه مع أنهم لا ينقصهم مال ولا شهرة، فلماذا يقبلون بالابتذال والمهانة في مشاهد أقل ما يقال عنها إنها مسيئة ولا تقدم للأجيال الجديدة أي قيم أخلاقية ولا تحرك فيهم همة لتحصيل علمي أو دراسي ولا تنمي فيهم حب العمل والإنتاج للإسهام في مسيرة وطن تشتد حاجته لكل جهد مخلص وفكر مبدع وساعد يبني وينتج..؟!
وسؤالي لكل شخص يقبل بأن يحل ضيفًا على هذا البرنامج أو ذاك وهو لا تنقصه شهرة ولا مكسب مادي: ماذا يفيدك إذا كسبت مالًا وخسرت احترام الناس لك.. خصوصًا مع إصرار مقدم هذا البرنامج على إذلالك والانتقاص من شأنك..؟!
وحتى المسلسلات فلا تكاد تخلو هي الأخرى من مشاهد مقززة يخرج فيها الممثل ممسكًا بسيجارة أو سكينًا أو متلبسًا بألفاظ خادشة، وحتى المسلسل التاريخي الذي تقدمه الشاشات في هذا العام   (معاوية) (والذي أمتنع عن الخوض في تفاصيله ومآخذ البعض عليه)، فقد أثار من الجدل والتشتيت أكثر مما صنعه من وعي بالتاريخ واستفادة من دروسه القيمة في بناء مسارات أكثر ارتباط بهويتنا وحضارتنا وأكثر قدرة على التواصل مع عصرنا الذي لا يرحم الضعفاء ولا يقيم لهم وزنًا.
وهنا يثور سؤال مهم:: هل نحن قادرون على استعادة التوازن بين الحداثة والقيم الأصلية؟
السؤال معقد ويحتاج إلى نظرة شاملة من زوايا عديدة؛ فالمصريون – مثل أي شعب – تغيرت عاداتهم بمرور الزمن بسبب عوامل اجتماعية، واقتصادية، وثقافية. 
فمثلًا تعاملهم مع رمضان تحول بصورة دراماتيكية، فقد كنا نستقبل هذا الشهر الفضيل زمان بفرحة حقيقية بأبسط الأشياء، نجتمع على طبلية واحدة، نجعل للغلبان (وهو شخص من ذوي الهمة غالبًا)  يومًا ندعوه إليها ليتناول طعامه معنا، يجلس بيننا يأكل مما نأكل وكأنه واحد من أسرتنا، ثم ننطلق مبتهجين إلى صلاة العشاء والتروايح بمسجد القرية، ثم نستمع لدرس علم يلقيه شيخ على قدر بسيط من العلم، لكنه يجيد الحديث بلباقة تأسرك وتجذبك إليه، حتى إذا فرغنا من الصلاة عدنا للبيوت لنلتف حول مسلسل هادف على إذاعة الشرق الأوسط قبل أن ينطلق البث التليفزيوني الذي بدأ أيضًا بصورة بسيطة ولساعات محدودة، عرفنا من خلاله إبداعات درامية لا تنسى مثلما فعل المبدع المتفرد أسامة أنور عكاشة الذي صاغ من الواقع دراما تستلهم روح المجتمع وتبني الوعي بحركة التاريخ بخلاف ما يحدث اليوم من كثرة للمسلسلات لكنها غثاء كغثاء السيل، كثرة تلهي الناس دون أن تقدم إجابة لسؤال الوقت: ماذا علينا أن نفعل للحفاظ على الأوطان وبناء نهضة تحفظ ما بقي من هويتنا وقيمنا ووحدة أمتنا..؟!
للأسف تحوّل رمضان من شهر للزهد والتقوى إلى موسم استهلاكي ضخم، حيث يزداد الإنفاق على الطعام والشراب بشكل كبير، رغم أن روح الصيام الحقيقي هو الشعور بحرمان الفقير وممارسة التقشف والزهد في المباح فما بالنا بالمحرمات !!.
في الماضي، كان رمضان يتميز بروحانيات وتجمعات عائلية تنشر الدفء والسرور بين أصحابها، بينما أصبح الآن موسمًا لعروض مسلسلات وبرامج ترفيهية تستهلك جزءًا كبيرًا من أوقات الناس وتصرفهم عن الأولويات.
ورغم أهمية التكنولوجيا ووسائل التواصل فإنها عصفت بالتفاعل الحقيقي، فأصبح البعض يكتفي بتهنئة الأهل برسائل رقمية بدلاً من التزاور والتلاقي.. أما التكافل الاجتماعي زمان فقد كان أكثر بساطة وحميمية في رمضان ويتدفق بشكل مباشر بين الجيران والأقارب، أما الآن فقد خلا من العفوية والروح الأصيلة، بعد أن صارت تتولاه جمعيات خيرية أو لجان زكاة في المساجد وغيرها.
عادات رمضان الآن اختلفت كثيرًا عن عادات زمان؛ فثمة تغيرات اجتماعية وتكنولوجية ضربت المجتمع، فشتان بين اللمّة العائلية التي كانت تجمع العائلات حول مائدة إفطار واحدة يوميًا، ويتشارك الجيران الطعام فيما بينهم..
ولا أنسى مشاهد المسحراتي الذي كان يجوب شوارع بطبله ينادي الناس للسحور في القرية، وكنا أحياناً نصحبه ابتهاجًا بهذه الأوقات، حيث يتجمع الأطفال في الشوارع ومعهم الفوانيس ينشدون أغاني شعبية.
ورغم بساطة الموائد الرمضانية في البيوت حيث يجري تحضير الطعام والحلوى وخصوصًا الكنافة والقطايف في البيوت يدويًا قبل أن يعرف الناس الاختراعات الحديثة، لكنها كانت أشهى وألذ طعمًا؛ ذلك أنها تصنع في بيوت يملؤها الحب والتراحم. 
زمان كان الناس يصنعون بهجتهم بأنفسهم، فهناك التراث الشعبي والحكايات التي توارثتها الأجيال، تروى للأطفال فتدخل إلى نفوسهم السرور قبل أن تجتاح مسلسلات رمضان (رغم تحفظي على تلك التسمية) بيوتنا دون استئذان بقيم وعادات وسلوكيات تتنافى مع قيم الشهر الفضيل.
أما الإعلانات فهي فاخرة تخاطب فئة أقل من 5% من فئات المجتمع، وهي تروج لمنتجات لا يقدر عليها السواد الأعظم من المصريين فلماذا هذا الاستفزاز الذي صار ظاهرة ملحوظة، سواء في التلفزيون أو على وسائل التواصل الاجتماعي.. فماذا تفعل تلك الإعلانات سوى أنها تعزز الاستهلاك غير العقلاني وتلعب على وتر الرغبات والضغوط الاجتماعية، فتدفع الناس إلى إنفاق أموالهم على منتجات قد لا يحتاجونها فعلاً، مما يزيد نزعتهم الاستهلاكية في مجتمع يعاني أصلًا من أزمات اقتصادية.
ثمة إعلانات كثيرة تروّج لمفاهيم خاطئة مثل أن النجاح مرتبط بامتلاك أشياء باهظة الثمن، أو أن القيمة الاجتماعية للفرد تقاس بما يشتريه وليس بشخصيته أو أخلاقه.
مثل هذه الإعلانات بما تقدمه من محتوى استفزازي أو غير أخلاقي تؤثر على الأجيال الصغيرة، وتجعلهم يعتادون على العنف اللفظي، أو المحتوى المبتذل، أو القيم المادية البحتة، مما ينعكس سلبًا على سلوكياتهم، فضلًا عما تحدثه من تكريس للانقسام الاجتماعي؛ إذا تثير الطبقية أو التفرقة، باستعراض حياة الرفاهية بشكل مبالغ فيه، مما يزيد من الشعور بالحرمان لدى الطبقات الأقل دخلًا.
ويبقى أن المجتمع بحاجة إلى وعي نقدي تجاه هذه الإعلانات والمسلسلات والبرامج، فضلاً عن تفعيل دور الرقابة بوضع ضوابط تضمن احترام الذوق العام والقيم المجتمعية، حتى لا يتحول الإعلام إلى مجرد أداة للربح على حساب الأخلاق والثقافة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية