تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > علي هاشم > الإعلام .. والتطوير المنشود!!

الإعلام .. والتطوير المنشود!!

حسنًا فعلت الدولة حين وضعت يدها على موطن الداء ورأت أنه بات ضروريًّا إصلاح الإعلام ليؤدي رسالته في التنوير وتصحيح الوعي وصيانة الرأي العام من شرور السيولة الإلكترونية على السوشيال ميديا التي لا تحكمها معايير ولا تؤتمن على عقل ..!!
تعلمنا أن مهمة الصحافة والإعلام أن يكونا مرآة الحقيقة وعدسة المجتمع على ما يجري في كل مكان بالبحث والفحص والمعلومة الصادقة والتحليل الموضوعي. صحيح أن الخبر واجب، لكن الصدق شرط، والتحليل ضرورة، والضمير بوابة لا يمكن الالتفاف عليها. 
الإعلام، حين يستقيم، يصبح ضميراً عاماً يزن المصلحة الوطنية بميزان دقيق، يحمي حرية التعبير ويحفظ الأمن القومي في الوقت ذاته، فيدافع عن خصوصية الناس بينما يفتح النوافذ للهواء النقي ويمنع أن تتحول الشفافية إلى فوضى. والإعلام، في كل الدول المدنية الحديثة، ليس زينة ديمقراطية بل أحد أعمدتها الصلبة التي تقوم عليها الدولة.
كيف يمكن لمجتمع أن ينضج رأيه العام من غير إعلام يراقب البرلمانات والحكومات؟ من غير عين يقظة تتعقب مواطن الخلل والقصور كما تحتفي بالإنجاز؟ من غير وسيط واعٍ ينقل نبض الشارع إلى صانع القرار ويشرح قرارات الدولة للمواطنين بما يضمن التفاهم لا التنافر والتباعد؟ كيف يمكن أن تقوم حياة سياسية وبرلمانية واجتماعية صحية إذا غاب الإعلام القادر على طرح أسئلة الوقت التي لا مفر منها لصيانة التجربة وحراستها حتى من أشد أعوانها وداعميها؟
لا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق ليدرك أن الإعلام المصري لا يزال يصارع أزمات ممتدة منذ يناير 2011.. وإلا ما اهتمت الدولة بضرورة تطويره ودفعه على الطريق الصحيح..ولا ننكر أن المهنة ليست في أحسن أحوالها، فلا تزال تنقصها الدقة والموضوعية، ناهيك عن بعض السطحية على الشاشات..بينما الصراخ يحتل مساحة في العقل الجمعي!! 
غاب الجيل الذي كان يصنع المدرسة والقدوة. وعندما غابت الخبرة تراجعت الموهبة وتقلصت فرص التجديد. بعض المنصات تحوّلت إلى ساحات للتجريح والاستقطاب، وبدلاً من بناء الوعي صار المشهد أحياناً منتجاً للبلبلة والفوضى. هل يمكن لإعلام غير منضبط أن يقود معركة الوعي التي شدد عليها الرئيس السيسي مراراً؟ هل يتحقق الاستقرار إذا أصبح الإعلام نفسه مصدراً للارتباك؟
هناك مسؤوليات أخلاقية لا يجوز الهروب منها. فحين تنشر القنوات والصحف مثلًا أخباراً غير موثقة عن نقص سلعة أو ارتفاع أسعارها تتوتر شرايين السوق ويهرع المحتكرون لاحتجازها فتشتعل الأسعار، ما يضغط على الفقراء ويصيب المجتمع بالهلع. من المستفيد إذن؟ خصوم الوطن داخل الحدود وخارجها يحصلون على هدية مجانية..ألا يستحق الأمن المجتمعي قدراً من التعقل الإعلامي قبل السبق والضوضاء؟ هل يدرك القائمون على المهنة أن الشائعة قد تضر اقتصاد دولة كاملة بينما لا تتجاوز مساحة الكلمة بضعة سنتيمترات على الشاشة؟
وبرغم كل ذلك، فما زال الأمل حياً. الدولة اليوم تفتح الباب لإصلاح المنظومة من جذورها، ليس تجميلاً شكلياً بل تغييراً في طريقة التفكير والإدارة. جرى تشكيل لجان عديدة داخل الهيئات المنظمة للإعلام، وأحدثها لجنة برئاسة الإعلامي جمال الشاعر، مكلفة بالبحث عن حلول واقعية للنهوض بالمحتوى وتحرير المؤسسات من الجمود والديون وازدواجية الأدوار. السؤال الذي يفرض نفسه: هل تستفيد هذه اللجان من الدراسات والخطط المتراكمة عبر السنين؟ هل تعود مثلاً إلى الدراسة التي أعدتها مؤسسة حازم حسن لتطوير العمل الصحفي بدار التحرير للطبع والنشر (جريدة الجمهورية) أثناء رئاستى مجلس إدارتها، بعد جريدة الجمهورية وأيضاً دراسة كلية إعلام القاهرة عندما كانت د. ليلي عبدالمجيد عميدة لها حيث أعدت دراسة علمية واقعية للاستفادة من تاريخ المؤسسة والفرص المتاحة لتطوير إصداراتها..
وغيرها من الرؤى الرصينة لأساتذة وخبراء إعلام طواها الأدراج من غير أن تجد طريقها للتنفيذ؟
ما الذي يمنعنا من مراجعة تجارب الدول التي جعلت إعلامها قوة ناعمة متفوقة؟ لماذا نظل أسرى طرق تقليدية في التدريب والتحرير والإدارة بينما العالم تجاوزها بأشواط؟ كيف نواجه الإعلام الأجنبي في عصر المنصات المفتوحة إذا لم نستطع أولاً كسب ثقة الجمهور المحلي؟ كيف نقنع المشاهد العربي والدولي برسالة مصر إذا اعتقد أن إعلامها لا يزال يراوح مكانه بخطاب يحتاج لكثير من التجديد والعمق؟
استعادة المصداقية هي حجر الزاوية. لا جدوى من آلاف الساعات على الهواء ولا من طباعة ملايين النسخ إذا كان الجمهور غير مقتنع. الاستقلال المهني لا يعني العداء للدولة، والنقد البنّاء لا يعني إسقاط هيبتها. المطلوب إعلام يساند عندما يكون الدعم ضرورة، وينبّه عندما يصبح الخطأ خطرًا، ويرفع المصلحة العامة فوق كل مصلحة. إعلام عصري يتخلص من الترهل، يوظف الكفاءات، يفتح الباب للمواهب الشابة، يصنع أسماءً جديدة قادرة على حمل الراية مثلما حملها الرواد الكبار ذات يوم.
السؤال الجوهري: متى نلمس نتائج حقيقية لجهود الإصلاح؟ متى تتحول اللجان إلى قرارات، والرؤى إلى صناعة، والتمنيات إلى وقائع؟ الوطن يقف في منطقة من أعقد مناطق العالم، وخصومه لا ينامون، ومعارك الوعي لا تقل شراسة عن معارك الحدود. إذاً لا مفر من صحافة قوية وإعلام قادر، لأن قوة الدولة تبدأ من قوة خطابها وثقة شعبها فيما يسمع ويرى.
الفرصة مواتية واللحظة لا تحتمل التردد. إذا نجحت المنظومة الإعلامية في النهوض من عثرتها ستكون طاقة ضوء هائلة تسند مشروع الدولة في البناء والبقاء. وإذا تعثرنا فلن يرحمنا التاريخ ولا الجغرافيا ولا الزمن الذي يمضي بلا انتظار.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية