تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حماس وإسرائيل.. أين فلسطين؟
بقيت حرب العامين دائرة بلا هوادة. كان يمكن أن تقف بعد أسبوعين أو شهرين وليس عامين كاملين. مشكلة هذه الحرب أن أهدافها المعلنة ليست حقيقية. فإسرائيل أرادت أن تجعل من حماس مقبرة تدفن فيها القضية الفلسطينية برمتها. وحماس أرادت أن تكون هى القضية، وأن تجعل من إسرائيل مقبرة تدفن فيها السلطة الفلسطينية. تلك ثنائية قديمة، إذ يسترجع العرب، سنوياً ذكرى النكبة، بينما تحتفل إسرائيل فى اليوم نفسه بذكرى تأسيس الدولة. 77 عاماً، وفى كل عام احتفال هناك، ونواح هنا.. ظلت الذكرى حاضرة. نكبة باقية وتتجدد، ودولة تُبيد وتتمدد. كان الصراع الممتد وسيلة بقاء ونجاح للمشروع الصهيونى، وسلاح تفكك وانقسام للمشروع الفلسطينى. تزامنت أيضاً ذروة النجاح، مع ذروة الانتكاس فى أغسطس 2007. حماس باتت تحكم غزة وحدها، وبقيت السلطة حبيسة الضفة.
انقسمت فلسطين إلى اثنتين، وبات حلم الدولة الواحدة خارج حدود المنطق. فأصحاب القضية لا تجمعهم الخرائط. كان الانقسام والصراع الدموى فى غزة بين فتح وحماس عام 2007 خارطة طريق يفلت إسرائيل من استحقاق حل الدولتين، ويجعل العالم يغض الطرف عن ايجاد حل فأصحاب القضية ليسوا على قلب دولة واحدة .
اليوم أكثر من 157 دولة تعترف بدولة فلسطينية. أغلبية ساحقة فى الأمم المتحدة لمصلحة دولة فلسطين. هذا واقع جديد لا تستطيع إسرائيل أو أمريكا انكاره، أو تغييره. هذا ليس نتيجة لما قامت به حماس فى السابع من أكتوبر، لكنه نتيحة عمل دبلوماسى عاقل قادته المملكة العربية السعودية وفرنسا. هذا الجهد نابع من التيقن بأن ثمة محاولة جادة ومخططا محكما يهدف إلى زوال فلسطين الاسم والجغرافيا. ليست حماس التى منعت تهجير الغزيين، ولكنه الموقف المصرى الصلب والشجاع الذى تجاوز حدود الخيال.. وإذا كان الواقع يقول إنه لا توجد دولة على الأرض، ولا حتى ملامح دولة، إلا أن الدور العربى الذى تلعبه مصر والسعودية يمكن أن يكون حاسما فى قيام الدولة على أرض الواقع.
وطوال حرب العامين ظل نيتانياهو يرفض وبشدة أن تحل السلطة الفلسطينية محل حماس، فى غزة، لأنه يعلم أن فى ذلك ركن من أركان الدولة. فهو ومعه جيشه الجرار لم يُضعف حماس لكى يسلم غزة للسلطة وتبدأ معالم طريق الدولة، ولهذا طالت الحرب، وفى ذلك ما يجعل كل أبواب التهجير مشرعة، بينما تغلق بإحكام أبواب الدولة الفلسطينية.
نعم هناك معضلات كبرى وعراقيل جمة فى طريق الدولة، المرفوضة من غالبية المجتمع الصهيونى، وإذا تجاوزت عوائق الجغرافيا، فكيف تقفز فوق انقسامات فلسطينية مزمنة. الانقسامات الفلسطينية هى العائق الأكبر. الانقسامات هى الاستثمار الذى نجحت فيه إسرائيل بصورة مطلقة.
إذ راق للطرفين إظهار الحرب فى غزة على أنها بين حماس وإسرائيل. غابت فلسطين أو غُيبت باتفاق ضمنى بين طرفى الحرب. والحقيقة أن القضية بدأت فى التآكل مع انفراد حماس بغزة وانفراد السلطة بالضفة. وتدريجياً خفت الحديث عن فلسطين، وباتت إسرائيل فى وضع يسمح لها بمحاربة الإرهاب فى غزة والدفاع عن القداسة «يهودا والسامرة» فى الضفة.
هناك سلطة فلسطينية ليست طرفاً لا فى الحرب، ولا فى المفاوضات المتوالية..
وجدت حكومة بنيامين نيتانياهو الفرصة التى انتظرها التنظيم الصهيونى، طوال سنوات الدولة، والتى تسعى إليها فى نسف «القضية»، وتحويل الأمر إلى حرب مع حركة تراها إرهابية ومعها فى ذلك الدول الراعية للمشروع الصهيونى. تعلم تلك الحكومة أن حماس غير مقبولة فى كثير من العواصم العربية، وتعرف أن مدد حماس فى طهران، وأن المد الفارسى فى المنطقة يقلق ويغضب العرب.
تدرك أن السلطة الفلسطينية باتت، بفعل الضربات المتواصلة، فى وضع لا يمكنها من الحضور الضرورى فى المشهد. لهذا ظل نيتانياهو متمسكا بانتصار يبقيه فى مقعده، وظلت حماس تريد الشىء نفسه أن تبقى، بصورة ما، وتسوق لانتصارها.. الطرفان لا يريدان السلطة الفلسطينية، لا فى القطاع ولا فى الضفة. حماس ترى أنها قدمت تضحيات كبرى، ويحق لها أن تتصدر وتتحكم وتحكم. فوحدها أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، بعدما كفنتها إسرائيل وكادت تدفنها.. الحكومة المتطرفة فى إسرائيل كانت طوال حرب العامين تُصر على أن وقت دفن القضية الفلسطينية قد حان.. رددت على الدوام أن معركتها مع حركة حماس، وليس الأبرياء الذين يطاردون بالنار والجوع، وتهربت من كل تهم الإبادة الجماعية والتهجير القسرى.. لم تكن لدى حماس رغبة فى الانطواء تحت مظلة السلطة، والرغبة نفسها كانت لدى السلطة، لا تريد حماس شريكاً. هذا الصراع أخذ القضية وغاص بها إلى ما تريده إسرائيل ويعبر عنه قادتها علانية: «إبادة أو تهجير وإحلال». إسرائيل لم تغير خطتها فى التطهير العرقى منذ أن وضعها قادة الحركة الصهيونية عام 1948، ومعها وضعوا المسار الواجب اتباعه لتنفيذ ذلك: «إثارة الرعب والفزع بين الجميع، الحصار المشدد، مع قصف القرى والتجمعات السكانية، حرق أو هدم المنازل والمدارس والمستشفيات.. زرع ألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم».
حماس أخذت القضية الفلسطينية إلى المنعطف الذى تريده إسرائيل، لكن العرب، وفى المقدمة مصر والسعودية، أخذوا يعملون على تثبيت حبال الخيمة الفلسطينية رغم شدة العواصف.. تمسك العرب بالحقوق المشروعة والتاريخية للشعب الفلسطينى.
هنا تبرز قوة الدبلوماسية العربية عندما تكون منسقة ومنظمة وتعبر عن جوهر العلاقات العربية.
يمكن لهذا الجهد أن يصبح هباءً منثوراً إذا ما ظلت القضية الفلسطينية رهينة لصراعات الفلسطينيين وانقساماتهم التى تتحول إلى عصا موسى فى يد إسرائيل.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية