تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أمريكا أم إسرائيل أولا؟
لماذا يتوقف نيتانياهو عن ارتكاب جرائم تفوق الخيال، وكل الطرق أمام جنونه مفتوحة أو مواربة؟
يعمل وفق قاعدة: «خير لك أن تبرر أفعالك على أن تتردد». أى أنه يكسر القاعدة تلو الأخرى، ثم يبرر جرائمه تحت غطاء «أمن إسرائيل» و«حق الدفاع عن النفس». وفى كل مرة يتخطى فيها الحواجز لا يجد ما يخيفه أو يردعه، فيتجه مباشرة إلى حاجز جديد.. تباركه أمريكا وتؤيده، بغض النظر عن الإجابة عن الأسئلة التى تُحير الناس أو تُقسمهم:
من يحكم من؟ هل إسرائيل تحكم أمريكا، أم أن أمريكا هى التى تحكم إسرائيل؟
سؤال جدلى، لكنه متجدد، ولا يخلو نقاش بشأن إسرائيل من طرحه. والحقيقة أن الإجابة هنا ليست مفيدة فى شىء، فالعبرة بالتاريخ والنتائج الحاضرة.
الطائرات الصهيونية التى أقلعت فى اتجاه قطر، هى نفسها التى أقلعت فى اتجاه إيران أو اليمن. لم يخطر فى بال أى طيار أن هناك عوائق قد تعرقله، أو موانع توقفه عن إكمال مهمته. فلا طائرات مقاتلة تعترضه، ولا رادارات ترصده، ولا أسلحة دفاع جوى تطارده. مهمة مريحة، رغم طول المسافة، ومضمونة السلامة. حلّقت الطائرات فى جغرافيا شاسعة، بدت وكأنها حلم قديم يتحقق بسهولة ويسر. حلم أصولى متجذر فى أرض موعودة.. أسطورة الأساطير.
ذهب الطيارون فرحين، وعادوا كأنهم فى تمرين أو نزهة مستحقة. كانوا ينظرون إلى الأسفل ويرددون مع «توم براك»: هذه جغرافيا مصطنعة باتفاقية عُقدت قبل أكثر من مائة عام. صنعها مارك سايكس، المستشار فى وزارة الخارجية البريطانية، مع المسيو جورج بيكو، المندوب الفرنسى، وكذلك مندوب روسيا.
لم يعد لهذا التقسيم معنى فى العرف الصهيوني. فلا بريطانيا ولا فرنسا ولا روسيا تستطيع اليوم رسم حدود لإسرائيل. الحدود الجديدة – كما قال براك، مبعوث الرئيس الأمريكى إلى سوريا ولبنان –: «فى نظر إسرائيل، هذه الخطوط التى رسمتها سايكس بيكو لا معنى لها. سيذهبون حيثما يشاءون، وقتما يشاءون، ويفعلون ما يشاءون لحماية الإسرائيليين وحدودهم».
لم يقل براك أى حدود، إذا كانوا أصلاً لا يعترفون بالرحم الذى جاءوا منه (أى اتفاقية سايكس - بيكو، ووعد بلفور). لم يكن للعرب رأى فيما جرى بين الحربين العالميتين. كانوا أدوات لتنفيذ مخططات، وأحباراً لرسم خرائط. كان المحتل وحده من قرر ونفذ، واليوم محتل جديد يقرر وينفذ. غابت شمس بريطانيا، وأفل نجم فرنسا، واندثرت قيصرية روسيا. تغيرت الدنيا، وبقى العرب على حالهم؛ لا يعرفون مكمن قوتهم، ولا سبب هوانهم.
لم تكن أمريكا يوماً بعيدة عن إسرائيل، حتى قبل وعد بلفور. كانت صاحبة الكلمة الفصل.
فقبل الوعد، كان المدد الأمريكى. إذ حين أبت فرنسا الاتفاق مع بريطانيا، نصح بلفور قادة الصهيونية بالذهاب إلى أمريكا: «لنتفق معاً، ونعمل نحن وأمريكا فى سبيلكم». وهنا التقط حاييم وايزمان الخيط ليقول لوزير خارجية بريطانيا: «الرئيس الأمريكى يحتفظ بعدد من كبار المستشارين الصهاينة فى البيت الأبيض، وبمقدورهم أن يفعلوا الكثير لنا.. ولكم».
ويكمل: «بدأ تأثير العبارة واضحا على وجه بلفور، وهو ما جعلنى أقتنع أن الحصول على تأييد أمريكى لمطالبنا سيحسم كل شىء، ويقضى على كل تردد. ف intensified اتصالاتى بالصهاينة الأمريكيين، وخصوصاً مستشارى الرئيس ويلسون، ولم نهمل الضغط على فرنسا. فصحب مارك سايكس زميلى سوكولوف إلى باريس، واستطاعا – بعد مجهود – إقناع وزارة الخارجية الفرنسية بألا تعارض التصريح البريطانى عند صدوره…»
كيف تخيل البعض أن قاعدة عسكرية أمريكية يمكن أن تحمى دولة عربية من عدوان إسرائيلى؟ كيف ظن البعض أن سلاحاً أمريكياً يمكن أن يتصدى لسلاح أمريكي؟ فأمريكا نفسها لم ترد على استهداف سفينتها «يو إس إس ليبرتى» التى قصفتها إسرائيل عام 1967 بالطائرات، وتسببت فى مقتل وإغراق أمريكيين كانوا على متنها. فقط دفعت إسرائيل 13 مليون دولار كتعويض واعتذار عن الحادث الشهير. فكيف يتصور البعض أن أمريكا يمكن أن تحمى دولة عربية من عدوان إسرائيلى؟. وعلى هذا النحو تتصرف حكومة نيتانياهو. فما من حاجز حطموه إلا وفكروا فى الحاجز التالي. وما من نقطة وصلوا إليها إلا وخططوا للمحطة التالية. لم توقفهم محكمة العدل الدولية التى طالبتهم قبل عام ونصف العام باتخاذ تدابير «لمنع ما يمكن اعتباره جرائم إبادة جماعية»، فزادهم الطلب إصراراً على رفع وتيرة الإبادة العلنية. ولم تردعهم المحكمة الجنائية الدولية بقرار ضبط وإحضار رئيس حكومتهم ووزير دفاعهم المُقال للمثول أمامها بتهمة الإبادة الجماعية. لم تكن إسرائيل يوماً دولة طبيعية، ولن تكون. لن تندمج مع محيطها، ولن يبتلعها محيطها، لكنه أيضاً غير قادر على لفظها. دولة وُلدت من رحم الحرب وعاشت على الحرب وستبقى تحارب. دولة تحكمها أيديولوجيا متطرفة، وأساطير مفزعة، وخرافات متوارثة. دولة عاش أهلها داخل «غيتو» مغلق فى مجتمعات منفتحة، وحين جاءوا إلى هنا صنعوا «غيتو أكبر» وسمّوه دولة. وبما أننا لا نعرف على وجه اليقين إن كان التنظيم الصهيونى هو من يحكم أمريكا، أو أن أمريكا هى التى تدير التنظيم الصهيونى، فعلى العالم العربى أن يستحضر تجارب مائة عام مضت؛ جرى خلالها تضليله وخداعه وإضعافه بنزاعات ثنائية، وصراعات عرقية، وطعنات طائفية، وجماعات دينية. وإذا ما فهم الجميع أن الخطر واحد، فسيُدركون أن الضربات فى مكان ما ستنتقل إلى غيره بأسرع مما نتخيل.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية