تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سيرة الرسول نبراسنا لتجاوز الصعاب
هلت علينا أيام الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف، وتحولت الشوارع إلى معارض مفتوحة لحلوى المولد بأنواعها، ومعها تأتى الذكريات المتعلقة باحتفالات المولد النبوى منذ الطفولة، حيث كانت بلدتنا أرمنت تتزين بشوادر الحلوى، وكل طفل وصبى له حصان من الحلوى، وكل طفلة وصبية لها عروس.
أما عند الزواج فهناك «الموسم» للعروس الجديدة، الذى يتكون من كميات من الحلوى، تتوسطها عروس، بالإضافة إلى سلع وأطعمة أخرى، ومع الاحتفالات المبهجة كان موسم الإنشاد الدينى يتألق فى المساجد والزوايا وتجمعات لأهل الذكر، يمتعوننا فيها بأجمل الابتهالات والأناشيد الدينية، وللجماعات الصوفية احتفالات خاصة، يأتون بالأعلام، ويقيمون حلقات الذكر.
وفى المركز من الاحتفالات تأتى سيرة الرسول الكريم منذ مولده، وحتى نشره رسالة الإسلام، وما واجهه من معاناة لتصل كلمات الله وتعاليمه إلى البشر، حاملة رسالة سلام ومحبة وإخاء وتواضع وتكافل.
تلك النقلة الكبيرة فى تاريخ البشرية، التى جاء بها خاتم المرسلين، ومعجزته القرآنية، لتخرج من مكة إلى يثرب، لتنتشر فى أنحاء الجزيرة العربية، وتمتد لاحقا إلى باقى أنحاء الأرض، مبشرة بتعاليم الدين الإسلامي، ومنذرة بتجنب كل ما يسيء أو يضر البشر. كنا نتجمع فى حلقات حول الكبار الذين يحكون لنا معجزة السيرة المحمدية، والتى بدأت من عام الفيل الذى ولد فيه، وصفات الرسول الكريم التى تحلى بها من قبل نزول الوحى عليه، مختارا إياه ليكون المبشر والمعلم والنموذج القدوة، وظل الاحتفال بالمولد النبوى الشريف عيدا جديدا، له عادات تجمع العائلة، وتقديم أطيب الطعام، وسماع التواشيح والأناشيد التى تتغنى بصفات الرسول ومآثره، وكنا نفرح بهذا التنوع الكبير فى الحلوى، من أقراص السمسمية والحمصية والفولية وغيرها الكثير من الحلوى التى ميزت الاحتفال بالمولد النبوي، وكان الملبن على عرشها بطعمه اللذيذ وذوبانه فى أفواهنا، والمكسرات التى توضع داخله أحيانا، ونظل نحرس أحصنتنا الحمراء طوال أيام الاحتفال، ولا ضير من التهام جزء صغير منها فى كل يوم، أو مشاركة إخوتى وأخواتى فى تذوق جزء من عرائسهن وأحصنتهم، وأحيانا نتشارك فى شراء حصان صغير من أحد شوادر الحلوى، لنلتهمه معا فى وليمة جانبية، حتى نحتفظ بأحصنتنا وعرائسنا الكبيرة لأطول وقت ممكن، وأعرف أن احتفالات المولد قد انتهت عندما يغادرنا الضيوف الوافدون من الأقارب الذين يحرصون على الاحتفال بالمولد النبوى فى مسقط رأسهم، وعندما يطوى المتصوفة أعلامهم، على وعد باحتفال آخر ننتظره دائما كل عام.
إن ما يميز احتفالنا بالمولد النبوى هذا العام أنه يأتى فى ظل صعوبات وتحديات كبيرة ومتداخلة، فالعالم يموج بالأزمات والحروب، المعلن منها والخفي، وليست الحرب الأوكرانية إلا جزءا منها، لكنها ليست كل الأزمة العالمية، التى يحتشد فيها عدد كبير من الدول من شرق آسيا حتى الأمريكتين، فما يدور فى شرق آسيا من مخاطر وتحالفات عسكرية وحروب اقتصادية وسباق تسلح يزداد حدة، له انعكاساته على كل بلدان العالم، وكذلك تمر القارة الإفريقية بمرحلة خطيرة من النزاعات، بعضها دوافعه محلية أو إقليمية، لكنها سرعان ما تتحول إلى بؤر للصراعات الدولية، وكذلك الحال فى باقى قارات العالم التى تتأهب فيها كل دولة ترقبا لما هو أسوأ، مادام أن المنافسة بين البلدان الكبرى تحولت إلى صراعات، وكل صراع يكون له عواقبه التى تنعكس علينا، وتشابكت تلك الأزمات، ومعها تتقطع سلاسل الإمداد، وتؤدى إلى الكثير من الخسائر، حتى إن بلدا متقدما مثل ألمانيا يواجه أوضاعا اقتصادية صعبة، وكذلك تعانى الولايات المتحدة من تداعيات تلك الأزمات،
وفى ظل ما نعانيه من انعكاس وعدوى وأضرار، فإن علينا أن نتحوط ونلوذ بتراثنا الإسلامي، ونلتزم بتعاليم ديننا، ونتبع سنة رسولنا الكريم، وما دعا إليه من تكافل وتحاب، فقد أوصى بالجار حتى كاد يورثه، من كثرة توصياته بالمعاملة الطيبة للجار، وكذلك صلة الأرحام التى جعلها واجبا على كل مسلم، وأن يراعى فيها أن تظل قوية، يدعم فيها كل فرد أقاربه، ويعتنى بهم، ويساعد من يمر بضائقة، وكان التعامل بين المهاجرين والأنصار نموذجا فى التكافل والتعاضد والمحبة، فكانوا يقتسمون الرزق فيما بينهم بكل محبة، ونحن الآن فى أشد الحاجة لتطبيق تلك التعاليم، فهناك فئات تضررت أكثر من غيرها، أو أن أحوالها لا تحتمل ارتفاع الأسعار أو اختفاء سلعة، ولهذا علينا أن نتبارى فى توفير سلال الطعام للفئات الأكثر احتياجا، وألا نترك الأمر كله على كاهل الدولة، فنحن أدرى بمن حولنا، وكلنا قادر على المساهمة فى تخفيف الأحمال عن غيره، والأهم أن يلتزم التجار بتوفير السلع بأسعار مناسبة، وألا يستغلوا شح بعضها فى تخزينها والسباق على جنى أرباح كبيرة على حساب غيره، فهذه لا تكون تجارة، إنما استغلال لا يقره عرف ولا دين، ونهى عنه رسولنا الكريم.
وكانت الجزيرة العربية قد تعرضت لأزمة اقتصادية حادة فى زمن الخليفة عمر بن الخطاب «عام الرمادة» الذى شح فيه المطر، وانخفض الطعام، وارتفع ثمنه، فوضع نظاما صارما لتوفير احتياجات الفقراء، وعاقب على الاحتكار، وخطب يدعو إلى التكافل والتراحم، وأن يقدم الغنى ما يقدر عليه لمنع حدوث مجاعة، فكان لتلك الروح والتعاليم السمحة فعلها فى تجاوز تلك المحنة.
هذه تعاليم ديننا التى ينبغى علينا أن نتحصن بها، وأن نجتاز أى أزمة بالاقتصاد فى الاستهلاك، وتقديم العون لمن يحتاج، وسلوكنا الشخصى يجب أن يسبق إجراءات الدولة، أو على الأقل يجاريها وينفذها دون تحايل، حتى نجتاز تلك الفترة الصعبة التى يمر بها العالم من أقصاه إلى أقصاه، وأن نقدم النموذج الإنسانى الذى يعبر عن قيمنا وحضارتنا، وأن تكون سيرة الرسول الكريم، وتعاليم القرآن الكريم نبراسا لنا، حتى نصل إلى شاطئ الأمان، ونحقق ما نصبو إليه من تقدم وتنمية واعدة بإذن الله.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية