تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > علاء ثابت > دبلوماسية مصرية منفتحة وعابرة للأزمات

دبلوماسية مصرية منفتحة وعابرة للأزمات

من أجل إيجاد حل للخروج من الأزمة الاقتصادية فى الآونة الأخيرة، أجرت مصر تحركات دبلوماسية مكثفة على أكثر من اتجاه، شملت قطر وسوريا وتركيا والمجر فى وقت قياسى، وتركزت على الجوانب الاقتصادية وتطوير العلاقات الثنائية، بعيدا عن سياسات المحاور والأحلاف،

لترسم مصر خريطة دبلوماسية تأخذ فى اعتبارها الأول توسيع أطر تعاونها الدولى، لتشمل مروحة واسعة من الدول، بما يحقق المنفعة المتبادلة، ويحقق لمصر أهداف مشروعها التنموى الداخلى، الذى تأثر كما باقى دول العالم بالنزاعات والصراعات الدولية.
تأتى تلك الخطوات الواسعة لتخفف من آثار تلك الصراعات التى ألحقت أضرارا واسعة بسلاسل الإمداد والتصنيع والنقل والسياحة، وخلقت أزمات غير متوقعة نتيجة لذلك،

ولم تتوقف عند الدول التى تخوض الحروب والصراعات، وإنما امتدت إلى مختلف دول العالم، وكان على الدبلوماسية المصرية أن تعيد قراءة تلك المتغيرات على الساحة الدولية، ونسج علاقات أكثر اتساعا وتنوعا، حتى يمكنها التحرك بمرونة، وإيجاد البدائل سواء لتسويق المنتجات المصرية، أو لشراء احتياجاتها، وللتقليل من الأضرار الجانبية الناجمة عن تبادل العقوبات بين الدول الكبرى، التى كانت نتائجها سلبية للغاية على كل الأطراف.

 

وتعد الاتفاقيات مع المجر إحدى الأمثلة النموذجية لتلك العلاقات التى تسعى الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى وضع أسسها، والتى تقوم على تبادل المنافع، فالمجر إحدى البلدان القلقة من عدم استقرار أسواق الغاز الطبيعى، بعد قرار الاتحاد الأوروبى وقف شراء الغاز الروسى، ولهذا تسعى إلى تأمين احتياجاتها وتنويع علاقاتها الاقتصادية،
ولأن مصر منفذ حيوى فى أهم موقع إستراتيجى ولديها مخزون كبير من الغاز الطبيعى، وبوابة للأسواق الإفريقية والعربية، فإن العديد من الدول الأخرى المتأثرة بالأزمة العالمية، ترحب بتلك العلاقات المبنية على تبادل المنافع، وتخفيف الأضرار، وليس شرطا التوافق فى كل التوجهات، مادامت تتحقق الأهداف الثنائية المشتركة، وتتحقق المنفعة لكلتا الدولتين،

وتستفيد مصر من علاقتها مع المجر فى مجالات الصناعة، خاصة قاطرات السكك الحديدية والسيارات وغيرها من المعدات، وتوطين مثل هذه الصناعات الحيوية فى مصر سيحقق إستراتيجيتنا التنموية فى توطين الصناعات الحديثة والإستراتيجية، وكذلك توسيع سوق السياحة التى تأثرت بشدة من تراجع أعداد السياح من روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب، وسيلعب القطاع الخاص فى كلا البلدين دورا رئيسيا فى إقامة المشروعات وجذب الاستثمارات، خاصة أن مصر عززت مكانتها فى صدارة الدول الجاهزة لاستقبال الاستثمارات، مدفوعة بتطور هائل فى البنية الأساسية من طرق ومواصلات وطاقة كهربائية وغاز، مع تحديث جهازها الإدارى، بما يجعلها من أكثر الدول المؤهلة لجذب الصناعات والمشروعات الكبيرة والمتوسطة، وأعدت مصر أكثر من منطقة صناعية وتجارية، منها منطقة شرق التفريعة، التى تعد نموذجا للمناطق الواعدة فى العالم.

 

أما العلاقة مع سوريا، التى لها مكانة استثنائية لدى مصر، فقد انطلقت إلى آفاق أوسع، وكانت مصر حريصة دوما على تذويب العوائق التى عكرت العلاقات السورية مع بعض الأشقاء العرب، وواصلت سياسة التقارب بين الأشقاء دون القفز عليها، حتى يتحقق هذا الهدف بطريقة سلسة، تعيد للعلاقات العربية متانتها، وتجعل من الدول العربية مركز ثقل كبيرا فى العلاقات الدولية، يمكنها أن تحقق الكثير، وهذا ما سعت إليه مصر دوما، وحققت فيه خطوات مهمة وملموسة، ولاحظنا ذلك فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى دبى، عند حضوره الملتقى الدولى للحكومات، وكيف كان يحث الأشقاء فى الخليج على الوقوف إلى جانب سوريا، وتلك إشارة إلى الدور الأكبر وغير المعلن الذى تلعبه مصر فى تعزيز العلاقات العربية، وتطويق الخلافات وإذابتها، بما يحقق آمال شعوب المنطقة.

وتنطلق العلاقات مع قطر من تخطى مرحلة انتهت ظروفها، ولم يعد بالإمكان أن تتكرر، ولا داعى للوقوف أمام الماضى طويلا، ما دامت المعطيات والظروف قد تغيرت ، وبالإمكان إقامة علاقات طيبة على أسس من الأخوة والمنفعة المتبادلة، وتشجيع الاستثمارات والتجارة.

ومن منطلق مشابه تأتى خطوة إذابة الجليد مع تركيا، وكل من مصر وتركيا تتمتعان بثقل إقليمى كبير، ويمكن تجاوز الكثير من الخلافات عبر الحوار، وفتح مسارات جديدة، تستند إلى تحقيق مكاسب للطرفين، ومحاصرة مناطق الخلاف، وإجراء حوارات حولها، وهذا الانفتاح الدبلوماسى المصرى يسعى إلى تكريس معادلات جديدة تعطى الأولوية لتحسين العلاقات الاقتصادية، وتحقيق المنافع المتبادلة، وهذا سيقود إلى خفض نقاط الخلاف إلى أقصى حد، بما يجعل للدبلوماسية دورا أكبر فى احتواء الصراعات.

وما خرجت به من متابعة تحركات الدبلوماسية المصرية وتوقيتها وأولوياتها يؤكد أنها تدرس الملفات الإقليمية والدولية بدقة، وتختار التوقيت الملائم لكل تحرك، وتطرح ما يمكن أن يكون مقبولا من الأطراف المستهدفة، ويتماشى مع التوجهات المصرية العامة، وخطوطها الرئيسية، وما تسعى إلى تحقيقه فى خططها التنموية، وتميزت تلك التحركات الدبلوماسية بأنها تتمتع بدرجة مرونة عالية، ولا تضع شروطا أو عوائق، وإنما تقرأ الواقع والمتغيرات وتطرح الممكن فى السياسة والاقتصاد دون أن تدخل فى صراعات لا جدوى منها، أو تقيد نفسها بمواقف دول أخرى، مع الحفاظ على العلاقات الثابتة والمتميزة، التى أثبتت الوقائع والمواقف أنها تتمتع بقدر كبير من الثقة المتبادلة والقدرة على الثبات والصمود أمام أى تحديات.

وهذا الانفتاح الدبلوماسى النشط الذى رأينا نموذجه الناجح خلال الأيام القليلة الماضية قابل للتوسع والاستمرارية والتمدد، لأنه يقوم على أسس سليمة وقواعد تحترم سيادة واستقلال كل الأطراف، وتضع المنافع المشتركة سبيلا لتحقيق علاقات طيبة ليست موجهة ضد أحد، بل هى نموذج للعلاقات الدولية الجديرة بالاحترام، والقابلة للتعميم، بما يحقق مصالح ورخاء شعوب العالم،

وتخفف من حدة الأزمات والصراعات الدولية التى عانى منها العالم لسنوات، وتأمل الدبلوماسية المصرية أن تكون سبيلا أمام الحد من تلك التداعيات الخطيرة التى أثرت على مسيرة التنمية فى العالم، وأدت إلى نشوء أزمات تضخم عانت منها الدول الكبرى وليست الناشئة فقط، أى أنها كانت من القوة بحيث هزت أعمدة اقتصاد دول عظمى، ولنا أن نتصور ما عانى منه باقى دول العالم، لهذا أثق فى أن تحقق الدبلوماسية المصرية مبتغاها، وتواصل توسعها، لتكون نموذجا يحتذى من أجل الخير والسلام فى العالم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية