تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > علاء ثابت > «تدنيس مقدساتنا» الرد من غرف التجارة

«تدنيس مقدساتنا» الرد من غرف التجارة

تكرر إحراق عدة نسخ من المصحف الشريف فى السويد والدنمارك، وفى كل مرة تصدر بيانات التنديد والاستهجان من جانب البلدان العربية والإسلامية، وتطالب بمنع هذا السلوك المهين والاستفزازى لنحو مليارى مسلم فى قارات العالم، والحيلولة دون تكرار هذا السلوك الهمجى، الذى لا يمكن اعتباره حرية تعبير، لأن الحرية لا تعنى الإساءة لمقدسات الآخرين، وإثارة أجواء من الكراهية، فماذا كانت ردود فعل الدول المعنية؟

صدرت تصريحات متباينة من كبار المسئولين، بعضها تستنكر تلك الفعلة البغيضة، وتصفها بالأفعال المشينة، وتعرب عن تضامنها واحترامها لمشاعر المسلمين، لكنها تقول إن هذا السلوك نوع من التعبير عن الرأى، الذى لا يمكن لها منعه، حتى وإن كان يثير غضب البعض، ويطالبنا أصحاب هذا الرأى ضمنا بأن نصمت على تلك الأفعال البغيضة، وأن نعتبرها ضريبة الحرية التى يتمتعون بها، وهذه النظرة الاستعلائية من جانب الغرب الأوروبى تنظر إلينا وكأننا نحن المتخلفون الذين لا يعرفون ولا يحترمون الحريات، وأن علينا أن نصمت حتى لا يظهر تخلفنا، وأننا دول اعتادت الاستبداد والرأى الواحد، وبالتالى تكون المشكلة كامنة فينا نحن.

 

لكن بعد ردود الفعل القوية من جانب الدول العربية والإسلامية، سواء الشعبية أو الرسمية، لاحظنا تغير ردود الفعل الأوروبية بعض الشيء، لأنها بدأت تدرك أن مصالحها فى خطر، وأن الغضب الشعبى قد ينفلت أحيانا مثلما حدث فى بغداد، وأن مواقف المؤسسات والمنظمات والمرجعيات الدينية اشتدت لهجتها مع تكرار هذا الفعل، بما ينفى عنه صفة الحالة الفردية، وأن منح جهات رسمية تصاريح لفعاليات تتضمن حرق نسخ من القرآن الكريم يعنى موافقة ضمنية، إن لم نقل تشجيعا من تلك المؤسسات، وهذا دليل على توغل الفكر المتطرف المعادى للمهاجرين عموما والمسلمين خصوصا الموجود فى مراكز صنع القرار، وأن مراجعة تلك المواقف تتأثر بالمصلحة المباشرة، وليس بالبيانات والمواقف الشاجبة التى لا تؤثر على قرارات الدول التى تسمح بانتهاك المقدسات بدعوى حرية التعبير،

ولهذا جاء بيان الاتحاد الأوروبى أكثر قوة عن السابق، وإن لم يكن بالقدر الكافى الذى نأمله، فقد جاء فى بيان الاتحاد الأوروبى ما يلى : «ينضم الاتحاد الأوروبى إلى وزارة الخارجية السويدية فى رفضها الشديد لحرق المصحف من قبل شخص فى السويد، ولا يعكس هذا العمل بأى حال من الأحوال آراء الاتحاد الأوروبى.. إن حرق المصحف أو غيره من الكتب المقدسة مهين وغير محترم وعمل استفزازى واضح، وإن مظاهر العنصرية وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب لا مكان لها.

 

 

وأضاف: «يتابع الاتحاد الأوروبى التطورات فى بغداد عن كثب، ويدعو إلى الهدوء وضبط النفس.

نحن ندين الهجمات على المبانى الدبلوماسية»، فى إشارة إلى اقتحام متظاهرين لمحيط السفارة السويدية فى بغداد. وانتهى البيان بقوله : يواصل الاتحاد الأوروبى الدفاع عن حرية الدين أو المعتقد وحرية التعبير، فى الخارج والداخل.

حان الوقت الآن للوقوف معًا من أجل التفاهم والاحترام المتبادلين ومنع أى تصعيد إضافى.

ورغم أن بيان الاتحاد أدان واقعة الإقدام على حرق نسخة من المصحف الشريف، فإنه لم ينته إلى إجراء يوقف مثل هذه الجريمة، صحيح أنه نأى بالقيم الغربية عن تلك الفعلة، لكنه فى الفقرة الأخيرة قال إنه يواصل الدفاع عن حرية الدين والمعتقد وحرية التعبير فى الخارج والداخل، وهى جملة مطاطة لا تعنى شيئا فى الحقيقة، وانتهى بالدعوة للوقوف معا من أجل التفاهم والاحترام، ولم أفهم دعوة الاتحاد الأوروبى للتفاهم، هل يعنى أن الأمر يحتاج إلى مفاوضات، وتشكيل لجان ودراسة، والتوصل إلى حل يرضى الطرفين؟

لقد اعتدنا مثل هذه اللغة البراقة، الخالية من أى موقف أو إجراء على أرض الواقع فى الوقت نفسه، إنها نوع من بيانات العلاقات العامة، التى تحاول ترضية المجنى عليه بكلمات تطيب خاطره، دون أن تتخذ موقفا فعليا، وتلقى الأمر على قارعة الدعوة للتفاهم، فمع من نتفاهم، وعلى ماذا، ومتى؟

لا شيء محدد فى بيان الاتحاد الأوروبى، يعكس مواقف الدول التى جرى فيها الانتهاك. أما مواقف الدول والمؤسسات والمنظمات الإسلامية، فقد دعت منظمة التعاون الإسلامى إلى اتخاذ «تدابير جماعية» تحول دون تكرار تدنيس المصحف الشريف، وقالت إن عدم اتخاذ السلطات فى السويد والدنمارك إجراءات تمنع مثل هذه الأفعال مخالف لقرار مجلس الأمن رقم 26 والصادر فى 14 يونيو 2023 حول التسامح والسلم والأمن الدوليين، وطالبت بتطبيق القانون الدولى الذى يحظر أى دعوة للكراهية.

وهذه لفتة ذكية من منظمة التعاون الإسلامى، ووضعت الدول الأوروبية فى مواجهة القانون الدولى، وإسقاط أى ادعاء لها حول حقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها من المصطلحات البراقة التى تتخفى وراءها.

أما الأزهر الشريف فلم يكتف بمشاركة المنظمة فى تلك الدعوة، بل طلب من الشعوب العربية والإسلامية وكل مسلم ومسلمة مقاطعة المنتجات السويدية والدنماركية، مهما تكن صغيرة أو كبيرة.

ومن منطلق حرصى على تبنى رؤية الأزهر الشريف فإننى أتمنى أن تبدأ الجهات المعنية بالاستيراد، ومن بينها الغرفة التجارية ورجال الأعمال المسلمون والمسيحيون، مقاطعة كل المنتجات السويدية والدنماركية، ويؤكدوا وحدة الشعب المصرى، ورفضه تدنيس المصحف الشريف، فالمواطن العادى لا يعرف أحيانا الماركات أو الصناعات التى أصبحت تشارك فيها أكثر من دولة، ولهذا فإن الغرفة التجارية ورجال الأعمال والجهات المسئولة سيكون لها الدور الأساسى فى تفعيل دعوة الأزهر الشريف.

إننا لسنا دعاة عنف، ونحرص على السلم الدولى ووقف بث الكراهية بين الشعوب، والتى تفتح الطريق أمام جماعات العنف والإرهاب، بل إثارة الفتن والحروب، ولهذا اتسمت دعوات دبلوماسيينا ومؤسساتنا ومرجعياتنا الفقهية بالتحضر والقيم النبيلة القائمة على التسامح، لكنها لا تقبل بأى حال أى انتهاك أو تدنيس لمقدساتنا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية