تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
طريق الأئمة الأربعة
الأمر المؤكد أنه ليس بيننا من يرقى إلى مرتبة الائمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعى، وابن حنبل، فقد أنشأ كل منهم مذهبا أو فلنقل جامعة تقوم على إعمال الفكر وحرية الرأى، وتعدد الآراء أو الاجتهاد والفتاوى، وكثيرا ما كان الإمام من هؤلاء يغير رأيه فى المسألة أو القضية الواحدة، مرة أو عدة مرات، ودائما ما كان التلاميذ يقولون آراء تختلف مع ما قال به الإمام، ويذكر هنا أن الشافعى قال لأحد تلاميذه، لا تقل رأيا مثل رأيى واجتهد لتقول رأيا مخالفا.
وهنا نقول، إن الإمام أبو حنيفة، كان له فقه قال به، وهو يقيم فى فارس، فلما انتقل للإقامة بالعراق غير كثيرا من الآراء التى قالها، وهو فى فارس، وكذلك الإمام الشافعى، فقد قال بآراء، وبعد أن انتقل إلى وادى النيل، حيث الاستقرار والوفرة والطابع السلمى لسكان الوديان النهرية، قال بما يختلف مع بعض ما قاله من قبل، وللإمام الشافعى مقولة تعبر عن سعة الأفق والقبول بالرأى الآخر، والتسامح والثقة بالنفس، وبالآخرين هى «رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب». بمثل هذا الانفتاح والتسامح واصل الفقهاء والمجتهدون من أبناء هذه المذاهب مسيرتهم الرائعة، وقدموا للفكر الإسلامى ثروة فقهية عظيمة، قامت عليها الحياة، وشقت طريقها للأمام.
وكان الجميع يستظلون بالحديث، إذا أصاب المجتهد، فله أجران، وإذا ما أخطأ فله أجر واحد... وهل هناك ما يشجع على الاجتهاد أفضل من ذلك؟ أى حتى المجتهد الذى يخطئ له أجر، ولم يحاول أحد التجاوز والقول بعقاب المخطئ من المجتهدين، أو بنبذه أو بعزله من منصبه أو بسحب الدرجة العلمية منه. وقد حدث ذلك فى فترات التراجع، وجعلنا نتذكر أن الأزهر قد أقدم عام 1925 على عزل الشيخ على عبدالرازق من منصبه، وسحب درجته العلمية لمجرد أنه قال رأيا مختلفا عما يراه الشيوخ حول الخلافة فى الإسلام فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» وفيما بعد قرر الأزهر إعادته إلى منصبه وإعادة مؤهله إليه، وبعد فترة قصيرة تم تعيينه وزيرا للأوقاف.
المهم أن الذين عزلوا الشيخ على عبدالرازق تجاهلوا مقولة الإمام الشافعى «رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب»... كما أداروا ظهورهم للحديث الذى ينص على أن للمجتهد أجرين إذا أصاب، وأجرا واحدا إذا ما أخطأ. كان كل يعنيهم أنه غرد خارج السرب أى خرج على ما يرون أنه الصواب.وهنا مربط الفرس، المذاهب السنية الأربعة، قامت على تعدد الآراء بعد أعمال الفكر، ولو أن أيا من الائمة الأربعة، تصور أنه يملك وحده الصواب، وأن على الآخرين اتباعه، ما نشأت المذاهب وما تحولت إلى جامعات فقهية عظيمة وثابتة الأركان.
إننا نبحث فى جنبات المنطقة عن مثل هذه الروح، وهذا التسامح والثقة العالية بالنفس واليقين بأن تعدد الآراء يضيف إلى الإسلام، ولا يسحب منه. كان التعدد هو الأساس، وكان الأئمة يشجعون تلاميذهم على ذلك، بل ويضربون لهم المثل، بأن يقولوا برأى ثم يقولون برأى مختلف بعد ذلك، فالمهم هو الإسناد والتوضيح والاقتناع بالرأى الجديد.
وما بالنا بقوم لا يقبلون الآن برأى غير ما يرون، بل يهاجمون صاحب الرأى المخالف ويتهمونه بالخروج على النص وإجماع المسلمين. إن الأئمة الأربعة ساروا على طريق الاقتناع العميق بأهمية الاختلاف فى فهم النصوص، وبدون هذا الاختلاف ما كان هناك لتعدد آراء، بل ولا تعدد مذاهب، ولم نكن لنرث منهم وعنهم هذه الثروة الفقهية التى هى زادنا الرئيسي لفهم ديننا، كما أنها السراج الذى أضاء ويضيء الطريق أمام المسلمين.
ونعود لنقول إنه ليس بيننا من يرقى إلى مرتبة هؤلاء الأئمة سواء فى علمهم أو تواضعهم وتشجيعهم على الاختلاف.. والمدهش أن من المعاصرين من يرفض الاقتداء بهؤلاء الأئمة، ويفضل طريق الرأى الواحد، أى رأيه هو لا رأى الإسلام.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية