تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > عبده مباشر > النيل والناس والأرض الزراعية

النيل والناس والأرض الزراعية

خلال فترة فى أعماق التاريخ بدأ نهر النيل ينحدر من الجنوب من قلب القارة الإفريقية إلى الشمال، توافقا مع حالة المنطقة الجغرافية. كان النهر عفيا وفتيا فاندفع يشق مجراه وصولا إلى البحر المتوسط.

وبعد مئات الآلاف من السنين استقر مجرى النهر. وعلى امتداد هذه السنوات ظلت مياه الفيضان تنحر أرض الوادى والدلتا وهى تحمل الطمى، وتنحسر المياه ويبقى الطمى ومن هذا الطمى تكونت تربة زراعية سوداء. وعلى هذه الأرض عرف المصريون الزراعة المنظمة منذ أكثر من 14 ألف عام.

وفى وادى الكوبانية بكوم امبو تم اكتشاف هذه الحقيقة التاريخية التى تؤكد أن المصريين هم أول من عرفوا الزراعة المنظمة. هذه الأرض السوداء فى الدلتا والوادى هى ملك لكل أجيال المصريين، وهى الثروة التى تنتج لهم احتياجاتهم. وأيا كان المالك، فإنه مستخلف على ما يملكه وليس له حق حرمان الأجيال التالية من أى مساحة من هذه الأرض.

وأيا كانت عقود الملكية التى فى أيدى الملاك عبر التاريخ، فإن واجبهم الرئيسى هو الحفاظ على هذه الثروة النادرة، وكما هو معروف فإن هذه الدلتا تشكل مساحة محدودة جدا قياسا بمساحة مصر التى تبلغ أكثر من مليون كيلو متر مربع، وبصورة أخرى فإن مساحة الأرض السوداء تبلغ 1/33 من أرض مصر.

ومنذ فجر التاريخ والمصرى يحرص على حماية النيل، بل إنه يقسم ويقر أمام مجلس الآلهة بعد البعث أنه لم يلوث مياه النيل، وعلى الحفاظ على الأرض الزراعية. وخلال العقود الأخيرة ظهرت شرائح من الناس تتعمد الاعتداء على هذه الأرض السوداء إما بالبناء أو بالتجريف. وبالرغم من إدراكهم أن اقتطاع أى مساحة من الأرض يعنى نقص الإنتاج الزراعى، وأن استمرار عمليات الاقتطاع يحرم المصريين من ثروتهم نتيجة تقلص المساحة باستمرار وكل واحد من هؤلاء لا يرى إلا مصلحته ومصلحة أسرته، ولا يفكر إطلاقا فى مصلحة مصر والمصريين. وكل منهم يتصور أنه يملك عقد ملكية يسمح له بالتصرف كما يشاء فيما يملك. وبالرغم من كل ما قيل عن أن هذا التفكير ليس تفكيرا إيجابيا.

فالملكية لا تعنى أبدا أن تحرم مصر والأجيال التالية من المصريين من هذه الأرض السوداء التى تكونت عبر مئات الآلاف من السنين والتى لا يمكن تعويضها بأى شكل من الأشكال فأى توسع فى استصلاح الأراضى الزراعية لن يكون إلا على أرض صحراوية، وبالرغم من تكاليف الاستصلاح العالية فإنها لن تكون أبدا مماثلة للأرض الزراعية السوداء. ومنذ سنوات بدأت تصدر قوانين بتجريم البناء على هذه الأرض أو تجريفها ولكن الاعتداءات لم تتوقف، وبالرغم من فرض عقوبات على البعض، فإن حالات التعدى مازالت مستمرة.

وخلال السنوات الأخيرة بدأت عمليات إزالة التعديات. وتوالت موجات الإزالة، ومع ذلك مازال هناك حتى الآن البعض ممن يصر على مخالفة القانون. ومنطق هؤلاء المخالفين، يردده كل منهم على حدة حيث يقول: «هيا جت على القيراطين دول». أى انه لم يعتد إلا على مساحة محدودة من وجهة نظره لا تستحق أن يعاقب عليها، ولكنه ينسى أن هناك آلافا غيره من المعتدين يرددون نفس المقولة وهذا يعنى أن كلا منهم لا يرى إلا نفسه ومصلحته، وهو هنا إما أنه لا يبالى بالعقاب أو أن العقاب ليس رادعا بدرجة كافية أو أنه يتوقع ألا يناله أى عقاب.

وهنا لا ننسى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى ومعه كل المصريين يرفضون أى مساس بهذه الثروة العظيمة التى صنعها النيل وحافظ عليها الأجداد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية