تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

النجوم عبر العصور

لا أدرى على وجه الدقة متى أطلق الناس على الفنان الشهير لقب نجم؟، وفى الغالب هى ترجمة حرفية للكلمة الإنجليزية (star) ليرمزوا بها إلى العلو والبُعد وشدة اللمعان، ومع مرور الزمن وخلال أكثر من قرن من الزمان، لم يعد الأمر يقتصر على لقب نجم فقط أو (ستار) ولكن صار هناك (السوبر ستار) ثم (الميجا ستار) وهكذا، ولكن السوشيال ميديا بجبروتها استطاعت أن تحط بهذا النجم والسوبر والميجا على شاشات تليفونات الجمهور، ولم يعد النجم بعيدًا فى السماء.

تستطيع فى الستينيات والسبعينيات أن تعد على أصابع اليد الواحدة عدد المرات التى ظهرت فيها (أم كلثوم) بعيدًا عن الغناء بشخصيتها أمام ميكروفون الإذاعة أو على شاشة التليفزيون وكذلك (فيروز)، كان الكلام عن النجوم وحياتهم الشخصية وأحوالهم اليومية شيئا نادرا جدًا، والآن صار النجم حياته مُتاحة على مدى اليوم، ومصحوبة بزفة كبيرة من المتابعين، البعض يسب ويشتم، والبعض يمدح وتنطلق معارك مستعرة بين فرق المادحين وفرق الذامين الساخرين!

صار من حق الجمهور أن يرى ويلوم ويسخر من أصغر علامة من علامات الزمن على رقبة أكبر نجم أو نجمة، صار أنف وأذن وفم وخدود وأسنان النجم ملكًا للجمهوربعد أن كانت أشياء عزيزة حتى على أقرب الناس إليه.

صار كل رجل وامرأة وشاب وفتاة يعرفون تفاصيل شخصية عن النجوم ربما لا يعرفونها هم عن زوجاتهم وأزواجهم واقاربهم. صار النجم فى مرمى النيران وصار أيضًا تحت حكم منصات متعددة، فهذا يحكم عليه فنيًا وذاك يحكم عليه أخلاقيًا.
بالغ النجوم فى الظهور والاحتفال وبالغ الناس فى المحاسبة والأحكام ووصل الأمر إلى تعقب النجوم أحياء وموتى، صارت حتى لحظات الدفن والعزاء تحت تهديد أسلحة الجمهور وانتشرت فيديوهات تحمل عناوين عجيبة مثل شاهد انهيار النجمة الفلانية على موت عزيز لديها، ووصل الأمر إلى عناوين كاذبة وقصص مختلقة عمن تجاهل من ؟ ومن هرب من لقاء من فى ذلك الفرح أو العزاء؟ صارت العلاقة بين النجوم ومتابعيهم علاقة مُلتبسة جدًا تجمع بين الحب والتقدير والسخرية وعدم الاحترام فى نفس اللحظة وأصبح التناقض هو الذى يقيم تلك العلاقة فى السبعينيات !

وقبل انتقال (عبدالحليم حافظ) إلى رحمة الله بعام تقريبًا، انفعل مرة فى حفلة من حفلاته على الجمهور تحت ضغط مرضه وآلامه وهيصة الجمهور ومبالغتهم وعبر فى انفعاله عن استيائه من سلوك الجمهور، فقامت الدنيا ولم تقعد وهاجمت الصحف الفنان الذى كان يتربع على عرش الغناء فى وقتها بكل قوة وقسوة ووصل الأمر بنا فى تلك الأيام إلى صفعات علنية.
لقد حدث ذلك حينما كسرت الثورة التكنولوجية المسافة بين النجم والجمهوروحولته العولمة إلى سلعة من الممكن شراء خدماتها الفنية بالتذكرة والإعلان وعدد المتابعين،

وهؤلاء المتابعون ليسوا هم أصحاب القصور فى الماضى البعيد الذى كان يجعل النجم يغنى لهم مثلًا كعصفور ملون فى قفص، وليس الجمهور الذى جاء بعد ذلك وهو جمهور الطبقة الوسطى المثقف الذى انتزع الفنان من قصور الأغنياء إلى مسارح الشعب،

ولكن الجمهور الآن هو خليط هجين يجمع مستويات اقتصادية واجتماعية وثقافية شتى، ويستطيع أى فرد متابع فيه أن يقود هجومًا شرسًا على نجم ويملك فيه النجم نفسه أن يشترى لجانًا إلكترونية تقاوم لجانا الكترونية معادية وتحول الأمر إلى بورصة آنية عشوائية، ـ مازال بالطبع بعض النجوم يحاولون أن يحافظوا قدر جهدهم على الشكل الكلاسيكى للنجم والذى يحتفظ فيه بمسافة آمنة بينه وبين متابعيه ـ ولأن النجومية بالأساس فكرة فردية تُعلى من شأن الفرد وهى ابنة لفكرة العولمة التى تُعظم من شأن الفرد والاستهلاك، فإن الحرب الطاحنة نتيجة هذا الفكر البغيض ـ والتى أحيانًا تكون مقصودة ومُدبرة لتحقيق مزيد من الاستهلاك ـ لن تكون بين نجم وجمهور ولكن بين فرد خاص وأفراد متعددين،

فالنجم لم يعد فى صورته القديمة كنجم من حيث الثقل والبُعد واللمعان، ولا الجمهور أيضًا كتلة واحدة متجانسة، تسليع كل شيء حول الأمر إلى متجر كبير يتراص فيه النجوم على فاترينة العرض بكل سبل الدعاية أمام جمهور عبارة عن أفراد متعددى الأذواق والرغبات سريعى الملل، وصاحب المتجر يُبدل ويُغير ويزيد فى عدد السلع و يستفيد حتى من الدعاية السلبية لبعض السلع عنده من أجل مكسبه فى النهاية.
فى العصر السابق كان عمر النجم أطول ويستطيع أن يظل مُحافظًا على نجوميته حتى آخر العمر، ولكن النمط الاستهلاكى الجديد جعل السباق أكثر شراسة، حتى إن لقطة واحدة عابرة تُظهر بعض التجاعيد تجعل المعارك تشتعل عدة أيام متتالية فى عصر لم يعد فيه النجم يمتلك ملامحه!

أما مظهر النجم فتلك معركة أخرى بين أخلاقيين يرفضون أن يرتدى النجم الرجل القرط فى أذنه والملابس الشفافة التى تُظهره شبه عار، وبين من يرون أنها حرية شخصية، وهناك طرف ثالث يرى أنها متطلبات الصورة الحديثة للنجم فى حين أن الأمر قديم جدًا، فقد كان هناك صنف من الفنانين فى العصور السابقة يضع فيه الرجال الكحل ويرتدون الأقراط والخلاخيل ويرقصون خلف (الغوازى)، صحيح أنهم لم يكونوا نجومًا وقتها ولكن كانت لهم أسماء أخرى ذكرها المؤرخون مثل (إدوارد وليم لين) وكتابه عادات المصريين المُحدثين وتقاليدهم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية