تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الفنان وسيرته

دائمًا ما يراودنى هذا السؤال، هل يمكن استنباط وفهم وقراءة سيرة حياة فنان أو مبدع من خلال أعماله الفنية ؟

السؤال يبدو أكثر تعقيدًا فى ظنى خاصة حينما نتحدث عن فنانى ومبدعى الأجيال السابقة قبل تلك الثورة التقنية التى جعلت بيوت الخلق بلا نوافذ ولا أبواب، بل مفتوحة دائمًا ليشاهد الناس بعضهم البعض طوال الليل والنهار على شبكات التواصل الجهنمية دون ساتر أو خصوصية ، هل حقًا نستطيع أن نقرأ سيرة فنان ما من خلال أعماله ؟ وإلى أى مدى ستكون تلك القراءة دقيقة؟

فى البدايات عادة يكون الفنان أكثر شبابًا وتمردًا وجرأة فى أفكاره التى يطرحها فى مواجهة مجتمع متحفظ، وأحيانًا مُرتابا تجاه كل تجربة مختلفة جديدة، وتبدأ هنا معركة الفنان الأولى فى تقديم المختلف حتى يمتاز ويُميز عمن حوله ومقاومة المجتمع لذلك، وفى مقدمة صفوف تلك المقاومة يكون المبدعون القدامي، وحينما ينجح المبدع الجديد فى المرور بموهبته المختلفة يدخل فى مرحلة جديدة وهى مرحلة يحاول فيها ترسيخ وجوده لتظهر ملامحه الخاصة قوية جلية واضحة ويحاول أن يحافظ عليها، فهى بصمته وطعمه، وتصير مع الوقت هى السياج الذى يفصله عن العالم ويقاوم بها كل متمرد جديد، ثم يمر فى آخر أيامه بمحاولة بائسة يائسة للتمرد على ذلك الذى صنعه طوال فترة نضوجه ليكسب معركته الأخيرة التى يواجه فيها الجميع ويكون فى مقدمتهم الصنم الذى صنعه لنفسه وطلاه له المحبون بالنور وخلفه يقف أعداء كُثر تعددت أطيافهم، ويحاول أن يهدم ذلك كله ويقدم نسخة جديدة منه يعلن بها أنه قادر على فعل أشكال أخرى من الفن لم يعتدها منه الجمهور من قبل.

وهكذا يظل الفنان بين تمرد البدايات ونمطية الرسوخ إلى أن يصل إلى مرحلة الانقلاب على النفس والبحث عن قدرات جديدة، هذا التصور بالطبع ليس نهائيًا ولا يصح أن يتم تعميمه لكنه موجود ، وذلك الذى يجعل الأسئلة تتوالي:

هل نستطيع أن نمد خطًا موازيًا لخط الإنتاج الفنى للفنان ونحكى منه تصورا عن حياته الشخصية وسيرته الذاتية؟، هل نستطيع أن نجزم أنه كان متألقًا فى تلك الفترة ومتدفقا وجديدا لأن حياته الشخصية كانت سعيدة أو منضبطة ؟وهل نستطيع أيضًا أن ننسب جزءا من عمله الفنى إلى وجهة نظر الفنان الشخصية؟ ونقول مثلاً ان ذلك المشهد كان يعبر عن المخرج نفسه فى ذلك التوقيت ؟ أو أن ذلك المقطع فى الرواية على لسان الشخصية الفلانية كان يعبر عن الكاتب وقناعته ؟

وهل يستطيع المبدع أن ينفصل تمامًا عن نفسه لحظة الإبداع ؟ أم أن الإبداع ذاته هو نتاج تلك الحياة الخاصة الشخصية الذاتية ؟

أم أن الأمر كالساقية يأخذ الماء من هنا ويصبه ثانية هناك ؟

وهل هناك علاقة بين النجاح والتألق المهنى وبين سعادة ذلك الناجح فى حياته ؟

سيظل الخط الموازى بين حياة المبدع وإبداعه خطًا غامضًا مُعقدًا يثير الأسئلة أكثر مما يعطى الإجابات ؟

وستظل لحظات القلق والريبة فى ظنى مصاحبة للمبدع أكثر من لحظات الفرح والسكينة ،لأنه يملك روحًا متفاعلة بشكل أكثر حساسية من غيره، روح قلقة لا تطمح إلى سكينة بقدر طموحها لمزيد من الأسئلة والتوتر، توتر ربما يخفُت ويعلو، لكنه لا يختفى أبدًا، توتر وقلق يدفعانه لتقديم نسخ جديدة من إبداعه حتى لو لزم الأمر أن يكون المقابل والتخلى عن الراحة والسعادة للأبد .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية