تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > عبدالرحيم كمال > الأفرو ــ سنتريك.. التاريخ الأسود «2»

الأفرو ــ سنتريك.. التاريخ الأسود «2»

صار التاريخ دمية يتجاذب أطرافها الجميع ويدعى كل طرف انها تاريخه هو، حتى لو اضطر طرف منهم ان يستغنى عن تاريخه الأصلى فى سبيل اغتصاب تاريخ الآخر!!

ظهر على السطح نوع جديد من الحروب وهو حرب سرقة التاريخ، وصار كل طرف فى هذه الحرب يجند أسلحته، وهى غالبا أسلحة ناعمة، يستخدم فيها القوى الناعمة من نجوم وكتاب ومخرجين لدعم الفكرة، وسرقة التاريخ ليست امرا جديدا بل قديم جدا، لكن مع التطور التكنولوجى تم تطويرها بشكل كبير، وصارت امرا جللا وخطيرا!

صارت السرقة منظمة وذكية ولها عرابون ومنظرون وحشد كبير من صانعى الفنون والآداب، لقد ادرك العالم تأثير القوى الناعمة، وبدأ استخدامها بكل قوة ووقاحة فى سرقة التاريخ، يدعم ذلك كتاب ومنظرون كبار ذكرنا منهم فى المقال السابق دكتور (مونتى كيتى اسانتي)!

ليخرج الأمر بعد ذلك من قاعات الدرس والندوات والكتب الى شاشات السينما والمنصات التليفزيونية، ونجد نجوما مثل الأمريكى داكن البشرة (كيفن هارت) المولود فى ولاية فلادلفيا سنة 1979 الذى يدعم تلك الفكرة، وهو ممثل كوميدى ومنتج سينمائى، وله ألبومات غنائية وحقق جزءا لا بأس به من الشهرة.

وهناك أيضا الممثلة (جادا بنيكيت سميث) التى شاركت فى انتاج مسلسل وثائقى ثلاث حلقات عن كليوباترا وظهرت فيه الملكة المصرية داكنة البشرة وقدمته الممثلة الإنجليزية (آديل جيمس) على خلاف الحقيقة، خاصة ان العمل وثائقى وليس دراميا تحمل احداثه على خيال صناعه، وكذلك الرابر(ترافيس سكوت)، الذى يروج لنفس الفكرة.

والعجيب أن الافروسنتريك يروجون لفكرة أن الحضارة المصرية القديمة، حضارة سوداء إفريقية بحماس، يصل إلى الهوس ودأب وحشد كبير، يدفع غير الأفارقة أيضا الى تصديقهم ودعمهم، فى حين يتجاهلون بالفعل تاريخهم الحقيقى القديم، الذى من المفترض انه حقيقى ومشرف أيضا، - الأمر مريب حقا - لقد قامت ممالك إفريقية سواء كبيرة وحقيقية، هناك مثلا الإمبراطورية الغانية (واجاود) من سنة 750م إلى سنة 1078م، وهناك امبراطورية (سونجاى) فى الشرق، ومملكة (مالينكى) فى مالى، ومملكة (نرى) فى غرب إفريقيا، ومملكة (اويو)، وغيرها من الممالك الكبيرة والعظيمة والحقيقية!

فما الداعى لسرقة الحضارة المصرية القديمة؟

وكأن قدر تلك الحضارة هو السرقة من الجميع. حاول اليهود كثيرا ان ينسبوا أيضا بناء الأهرامات اليهم، وفشلوا، وحاولت السينما الأمريكية بتمويلها اليهودى أيضا ان تجعل بناة الأهرامات المصرية مخلوقات قادمة من الفضاء1

 وظلت الحضارة المصرية القديمة تثير حفيظة الاخرين لسببين:

الأول عظمتها وإعجازها اللذان يدفعان حقا للغيرة، لدرجة تجعل كل من يشاهدها يتمنى لو كانت حقا له ولأجداده!
والثانى وهو الأخطر وهو ضعف الحماية المبذولة لتاريخنا القديم، إنهم يجندون قواهم الناعمة وعلماءهم وإعلامهم للسرقة، فى حين اننا مطالبون أيضا بحماية ذلك الإرث بقوانا الناعمة التى نملكها، لقد فعل الأجداد ما عليهم من واجب، وبنوا تلك الحضارة التى مازالت ظاهرة وراسخة وقائمة بشكل مادى لم يستطع حتى الآن الزمن ان يمحوه، لكن هذا التاريخ يحتاج الى صيانة حقيقية وعلمية ومدروسة وعلى أكثر من اتجاه، الأمر لا يقتصر على أهل السياحة والآثار والتاريخ فقط، بل هناك جهات أخرى كثيرة منوطة معهم بتلك الصيانة، ومنها وزارة التعليم ومناهجها، ورجال ونساء الأدب والفن والإعلام. التلميذ فى المدرسة يجب ان نصون فى عقله ذلك التاريخ بمناهج مبسطة ورحلات ميدانية!

كذلك على القوى المصرية الناعمة أن تصون ذلك التاريخ، وهناك دائما وسط الظلمة شعاع من نور، مثل برنامج أم الدنيا الوثائقى شبه الدرامى الذى انتجته الشركة المتحدة، الذى استطاع ان يقدم على مدار جزءين متتاليين توثيقا فنيا جيدا عن مصر القديمة، وحتى وصل بنا إلى مصر القبطية ومشارف مصر الإسلامية بشكل لافت وبه جهد فنى كبير من صناعه ومقدر، وتم عرضه على منصة "واتش ات" المصرية عبر حلقات شيقة، واذا تم التعامل بجدية فنية وتخطيط علمى قوى سيستطيع الاحفاد ان يحافظوا على شرعية نسبهم الى الأجداد، لأن الامر شديد الخطورة، فالانتماء بالدم والحقيقة فى تلك الايام التى يسودها الزيف ليس كافيا وحده، بل على المصريين أن يؤكدوا نسبهم وانتماءهم لحضارتهم القديمة كل يوم وكل لحظة بمزيد من العلم والتوثيق والفن والخيال والإبداع أيضا.

الحضارة القديمة ليست مجرد بناء معجز يجلب السائحين والدولارات، لكنها قيم إنسانية وحضارية يتم تأكيدها على الدوام، حتى ينظر لك العالم بتقدير واحترام، فإن كنت الآن تعانى وجودك فى الصفوف غير المتقدمة من العالم، فعلى الأقل عليك ان تثبت انك حفيد لأقوام كانوا فى مقدمة العالم ذات يوم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية