تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
غلاء الأسعار.. الضمير ومسئولية الجميع
اشتعل لهيب الأسعار وامتدت ناره تلفح وجوه البشر فى كل بقعة من بقاع الأرض.. لم تنج دولة واحدة وفى القلب منها مصر.. فليست بمنأى عما أصاب العالم.. ارتفعت أسعار السلع والمنتجات بزيادات غير منطقية تميط الستار عن جشع التجار ورغبة دفينة للتربح جراء أزمة عالمية.. لم تأت الزيادات معبرة عن منطق.. فتتناسب مع ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وإنما حركتها ضمائر واراها الثرى.. فوضعت الدولة فى مأزق وحيرة من أمرها. لم تصمت الدولة جالسة فى مقاعد المتفرجين ترنو لارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه.. اتخذت زمام المبادرة واضعة النقاط فوق حروف هاربة توثق لمسئولية تقع فوق عاتقها.. تؤديها عن وعى وطيب خاطر.. فأقدمت على تفعيل قوانين حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار.. كضمانة لتظل زيادة الأسعار تلامس الحدود المفروضة بقواعد السوق العالمية وتجهض محاولات المحتكرين من التجار والمنتجين بتعظيم المكاسب على حساب المستهلكين.
قرارات الدولة- صدرت- تبصر جوانب الأزمة وتنفذ عبر الأجهزة المختصة.. لإطفاء لهيب الأسعار وتوفير السلع الأساسية والإستراتيجية.. رافضة تغييب الانضباط فى تحديد أسعار السلع والمنتجات وانتهاك قواعد القانون وعدم الالتزام بالإعلان عن الأسعار للمستهلكين.. فحرية السوق لا تعنى ترك الأوضاع على عواهنها إلى حد الفوضى وإخلاء الساحة للتجار لفرض أسعار تكونت فى خيالهم.. خداعا للأجهزة الرسمية العاملة ليل نهار بكل جدية لضمان البيع بسعر عادل يضمن مصلحة جميع الأطراف.. فينال المنتجون والتجار الربح المناسب وتصل السلعة للمستهلك دون زيادات غير مبررة. رؤية الدولة وتصورها لآليات ضبط السوق.. بدأت فعليا تؤتى ثمارها باتفاق تلاحم مع غرف المنتجين والتجار واتحاد الصناعات على السعر الضامن لربح معقول والتشديد بإحكام الرقابة على السوق وعدم السماح بعرض السلع.. إلا بمصاحبة الإعلان عن سعرها ويتحمل جهاز حماية المستهلك مسئوليته برقابة صارمة ويتابع طوال الوقت عن قرب بحملات دائمة وتنسيق مع جهات رقابية مختصة تشارك حملاته التفتيشية القائم بها مأمور الضبط القضائى فى جميع المحافظات لضمان وجود الرقابة الشاملة وتصبح الضرورة مطلب مجتمعى بتعاون المواطنين مع الجهاز للإبلاغ عن المخالفين.
اتجاهات عدة تتحرك على صعيدها الدولة لإجهاض ارتفاع الأسعار.. فشكلت لجنة عليا للتسعير مهمتها وضع أسعار استرشادية لأكثر من 15 سلعة إستراتيجية وفق تكلفة الإنتاج.. لتكون تقديرات الثمن منضبطة وتقضى على جشع التجار واختفاء المنتجات وتوسعت فى إنشاء منافذ لتوفير السلع بأسعار مناسبة وأقامت معارض بجميع المحافظات تلبى الاحتياجات الأساسية للمواطنين وتستمر حتى شهر رمضان وإن كان بقاؤها ضرورة- فالأزمة لن ترفع ستائرها فى الأفق القريب- لتصبح وسيلة فعالة لمحاربة الغلاء وخيار لغير القادرين.. فالدولة ليس بمقدورها وضع تسعيرة جبرية ولكن بإمكانها توفير السلع والمنتجات بأسعار مخفضة عبر تلك المنافذ.
أزمة ارتفاع الأسعار ألقت بظلال وخيمة على حياة المواطنين وفرض واقعها الأليم ضرورة تلاحم كافة مؤسسات الدولة على مختلف اختصاصاتها وقد انتفض مجلس النواب قبل أيام يحاسب وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور على المصيلحى..
يوثق المشهد العالمى أن أزمة ارتفاع الأسعار ليست صناعة مصرية ولم تأت نتيجة خلل أصاب أداء الدولة فى توفير احتياجات المواطنين وإنما صنعها- فى كل دول العالم- بدرجات متفاوتة.. كوفيد 19وعظمت من وطأتها الحرب الروسية الأوكرانية وعالم منقسم بشكل متزايد وأوضاع على طول خطوط الصدع الجيوسياسى تبدو أنها عند مفترق طرق.. من حق مجلس النواب أن ينتفض قلقا وتساوره المخاوف.. بأن تكون الأزمة ناجمة عن قصور فى إجراءات حكومية خلفت وراءها تلك التداعيات القاسية.. فى مثل تلك الأزمات الدولية.. عادة تنتفض مؤسسات الدول تتلاحم متصدية للأزمة لتدارك تداعياتها.. كونها أكبر من قدرات الدولة وتحتاج لرؤى توافقية ومساندة شعبية. محاسبة الدولة فى هذه الأزمة ليست مطلبا أو غاية.. فتضافر الرؤى للخروج منها آمال الجميع والدولة وحدها لن تستطيع التخفيف من وطأتها ووجب على مجلس النواب وهو بيت خبرة بلجانه المتنوعة بما فيها من ثراء معرفى وعلمى.. قبل محاسبة الدولة تقديم العون والمساندة بطرح تصور شامل داعم يطفئ ارتفاع الأسعار.. تلك هى المسئولية المجتمعية تجاه الأزمات. أحيانا نعمق الأزمات بسلوك ننتهجه وما نفعله تجاه أزمة ارتفاع الأسعار ساعد على شيوع آثارها وامتدادها.. كون الاضمحلال بين المصريين- واسع - لثقافة ترشيد الاستهلاك وخشية الندرة الدافعة لهم- دفعا صوب الغلو فى فاتورة الشراء والميول للاحتفاظ بالسلع والمنتجات.. مما ساهم- إحساسا لدى التجار بأن شتى ما قد يحدث فى منظومة الأسعار سوف يتقبله المواطن- حتما إثر اعتناقه تلك الثقافة.. لنرى المصريين.. كلما ارتفعت أسعار السلع زادت معه الكميات المستهلكة من طبقات بذاتها.. فتزداد حدة الأزمة سوءا.
وفى ثقافة الغرب حكمة الوعى تزداد والمسئولية المجتمعية تسود.. فعندما تغلو الأسعار فإنهم- بشكل تلقائى - يحجمون عن الشراء بصورة توافقية وتبزغ ثقافة الاستغناء.. فيصبح التجار حينها مجبرين على احترام إرادة المستهلك وعدم استغلاله والزج به فى منظومة زيادة الأسعار.. فى تلك الأوقات التى يشهدها العالم من أزمات تضخمية وارتفاعات غير مسبوقة فى السلع الغذائية والاستهلاكية تصبح المساندة الشعبية للدولة ضرورة وجودية.. حتى ترفع ستائر الأزمة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية