تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
طوق النجاة.. فى بحر الأزمات
تحيا الأوطان بوعى شعوبها وتقوى بقدرتها على التماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. إذا ما أصابها مكروه وتتجاوز عبورا لتصل إلى مرفأ آمن يحصنها مما أتت به الرياح العاتية وتبقى جذورها فى الأرض راسخة وتذهب ريحها فى مغيب وعيها وتنزع أوصالها وتغرق بهوة قاع الفوضى السحيق.. فلا تبرح مكانها ويعتصرها الصراع بلا طائل تحصده.. فالوعى إيمان بأنه نور من السماء يضىء العقول عندما يشتد الظلام وطوق للنجاة يلقى لشعوب أرادت التعلق بأهداب النجاة.
فكل مواطن يلتحف بسماء وطنه تقع فوق عاتقه مسئولية يتعين الاضطلاع بها وعدم الاستهانة بأهميتها أو التفريط فيها وعند التنصل منها يصاب المجتمع بخلل جسيم وتتفاقم الأزمات وتصبح السيطرة عليها ضربا من المستحيل..
معيشة المواطن فى وطنه تفرض الضرورة أن تكون صورة معبرة للمشاركة ويصعب غيابها عن مواقع الحياة وإذا ما غابت تشيع الظواهر البشرية فى أسوأ صورها وما من أزمة تقع فى الوجود.. إلا كان الإنسان شريكا بصنعها بشكل أو بآخر ـ سعيا بنفض يده ـــ يغسلها ــــ متنصلا من مشاركة وجب الاضطلاع بها وولى فرارا فى منأى معتزلا المسئولية.
لماذا يلقى كل إنسان بالأزمة فوق عاتق الدولة ويشيح بوجهه ـــ هربا.. يتنصل من دور يناط به.. يقف إلى جوارها.. يتحمل بنفس راضية عبء المشاركة حتى تنقشع الأزمة وتذوب تداعياتها وترفع ستائرها. ولم يزج بكل مسئول يواجه ــ وحده ــ مصيرا محتوما.. يشاركه ويسانده ويتحمل وعثاء مشقة تصاحبها.. تلك فلسفة المشاركة وعمق المعنى وتلك هى الحياة وقد خلق الله الإنسان فى كبد.. كتب عليه كفاح الحياة وتلك حكمة إلهية. تضرب المجتمع أزمات.. يستحيل على الدولة التصدى لها فى غياب مشاركة مجتمعية جادة ووعى شعبى يعينها على درء خطر يحيق به ولو نفض الناس مسئولية تقع فوق عاتقهم وتخلوا عن دور يناط بهم.. فلن تستطيع الدولة- أى دولة- فى الوجود أن تبرح حدود الأزمة.. سوف تبقى محاصرة ويطول الجميع خطرها.. فيد الدولة لن تصفق وحدها.. يد الشعب ـ يحتم ـ الظرف أن تكون ممدودة تصفق إلى جوارها.. تساندها وتعينها صبرا.
اعتاد المصريون ــ باعتقاد راسخ ــ أن تكون الدولة مسئولة عن كل شاردة وواردة فى شئون حياتهم.. عن كل أمل خبا فى الأفق وكل حلم تحطم فوق الصخور الصلدة.. فغيبوا فى ظلال كل أزمة ثقافة المشاركة وتنصل كل مواطن من دور يناط به ونفض أعباء مسئولية تقع على عاتقه وجلس يصوب نحو صدرها سهام النقد اللاذعة.. من منصات الكلام الأجوف السابحة فى فراغ الكون الفسيح.. فبات عبئا إضافيا.. يدفعها لاتخاذ المواقف تحت ضغط شعبى وليست هناك دولة فى العالم قادرة علي اتخاذ قرارات سديدة تحت قصف شعبى مستمر. ضربت مصر أزمات عديدة طوال الثمانى سنوات الماضية.. أزمات لم تكن سياسة الدولة ونهجها ذات مسئولية عن وقوعها.. نشبت إثر متغيرات عالمية وصراعات دولية واضمحلال وعى شعبى ولم تتخل الدولة عن مسئوليتها تصدت وحدها تواجه وتضع الرؤى وتسبر الأغوار.
تصدت لكل أزمة وسط غياب مشاركة شعبية واعية تبصر الأبعاد وتشد من أزرها وتقوى عزيمتها وتستوعب الظرف الدقيق.. جلس المصريون على الشاطئ البعيد يتندرون بالفكاهة ويهيلون التراب على كل إنجاز وعيونهم.. ما ــــ شاهدت ــــ قط إنجازا تفخر به الأجيال غير إنجاز تلك السنوات.. حفرته الدولة بإرادة صلدة وسط ظروف داخلية شديدة القسوة وخارجية بالغة التعقيد.
بينما يكتب القدر فى لوح محفوظ نجاة مصر من كل أزمة تلاحقها.. تضرب فى الأعماق.. فلم تنضب الأفكار أو تتوقف المسيرة.. تمضى بحثا عن بارقة أمل ووميض نور فى جوف نفق مظلم.. تمضى حلما لركب التقدم.. لم توهن قوتها أزمة أو تهدد استقرارها أزمة. وفى كل أزمة تصنع منها جسرا ممدودا ـــ عبورا ـــ لمرفأ النجاة.. تشعل من نسيج الأزمة شعلة نور.. تواجه كل أزمة والغياب يسود لوعى شعبى وصدور ضيقة حرجة كأنما تصعد فى السماء وتسعى رغم ذلك تسابق الزمن.. تتدارك التداعيات وتخفف حدة الآلام. بات صعبا على المصريين اعتناق ثقافة المشاركة والإيمان بأنها طوق النجاة الممدود فى بحر الأزمات العميق.. أصبح جاثما على صدورهم التخلى عن ثقافة الاتكال ــــ اعتمادا ـــ على الدولة فى كل شئون الحياة.. جعلوها ملاذا وحيدا مسئولا عن تدبير أمورهم.. تقودهم إلى الأزمة وإلى النجاة منها... سوف تظل تلاحقنا الأزمات طوال الوقت.. طالما غاب وعى المشاركة ووهنت قوة المساندة.. طالما اختفى الإحساس بالمسئولية ونفض المواطن يده ونأى بنفسه بعيدا وترك الدولة وحيدة تصنع له ما يريد وجهل بأن المشاركة ثقافة شعب وطوق نجاة ممدود للجميع.
لن تزول الأزمات.. إلا بشيوع إحساس يسود بين كل مصرى.. بأن لديه مسئولية تجاهها وجب الأداء نحوها باعتناق ثقافة المشاركة والتخلى ــ بالاعتماد ــ على الدولة فى تدبير كل شئون حياته. المصريون فى أشد الحاجة وسط ظروف دقيقة.. تقتضى تغيير المفاهيم الخاطئة وتعظيم قيم المشاركة.. ليتجاوزوا مخاطر كل أزمة حفاظا على استقرار لوطن تحقق.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية