تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
دعوا الكتب ترفرف.. دعوا المعرفة تحلق!
في عيد الكتاب وموسمه الأكبر، أقصد معرض القاهرة قطعا، وجدتني ألوم نفسي، وأحاسبها بشدة، ليس لأنني لا أعطي الكتاب حقه، ولا أرفعه مكانا عاليا، ولكن لفرط حبي له وتعلقي به المرضي بفتح الميم والراء، أصبحت من المكتنزين لخير جليس، كما وصفه المتنبي، ولكنه اكتناز ينطوي على رغبة في التملك، دون مصاحبة أو جلوس، دون انتفاع أو معرفة!
فعلى مدى عشرات السنوات تجمعت عندي آلاف الكتب في كل أفرع الثقافة والعلوم، حتى ضاق بها البيت، والمكتب، وتقوقع الكثير منها على نفسه في صناديق وأرفف وأركان، يحاصرها التجاهل والإهمال والنسيان، والسبب أن الرغبة في الشراء والاكتناز فاقت القدرة على القراءة والاطلاع، فأصبحت مثل طيور الزينة المنزلية المحبوسة في أقفاص، فهي طيور لا تطير، ولا يمكنها أن تبث لوعة وحدتها، وعذاب حبسها!
والغريب أن بعض هذه الكتب تنقّل معي بين أربعة بلدان عشت بها هي مصر والإمارات وتركيا وقطر، وفي بعض الحالات دفعت مبالغ باهظة لهذا التنقل، الذي يشبه أن يحمل السجان معه مسجونه في حله وترحاله، مصرا على صحبة قسرية، وحباً بالإكراه، وعبودية لا فكاك منها!
ونظرت حولي فوجدتني لست وحيدا في هذه الظاهرة، فثمة أصدقاء وزملاء كثر يتحدثون عن الكتب الحبيسة في بيوتهم ومكاتبهم، بل إن بعضهم عرض عليّ أن يمنحني بعض هذه الكتب، والغريب أن المكتنز داخلي كان يهيم فرحا بهذه العروض، بينما إشارات العقل الحمراء تضيء فأنقسم بين هذا وذاك، وأماطل وأراوغ تحت وقع صراع نفسي، إلى أن أنتهي إلى لا قرار غالبا!
وقد يسأل سائل ولماذا وصلتَ على هذه الحالة، والإجابة بسيطة، كما نأكل بالتمني، نقرأ بالتمني، هل شاركت مرة في وليمة ذات «بوفيه مفتوح “؟.. انظر إلى البعض ستجدهم قد حشدوا على مائدتهم أهراما من المأكولات والمشروبات، لا يستطيعون سوى تناول القليل منها، لتجد طريقها إلى صناديق القمامة في النهاية، فالمثقف والكاتب مثل جائع يتوهم أنه قادر على ابتلاع كل أنواع المعرفة والإبداع، من أديان وفلسفة وفكر وتاريخ وجغرافيا ولغات وروايات وأشعار ومسرحيات، وقصص قصيرة ونقد، وعلوم مختلفة، لكن وقته لا يسمح بقراءة كل هذا، خاصة في هذا الزمان الذي تكاد فيه مواقع التواصل الاجتماعى والإعلام الجديد تأخذ بالألباب، وتسحب البساط من تحت الجرائد والمجلات، وتعطي الكتاب كتفا قانونيا بلغة كرة القدم!
إذن ما الحل يا رفاق الكلمة وأصدقاء الفكرة، الحل في التخلص من روح الاكتناز الذي حرمه الله سبحانه وتعالى في التعامل مع المال والذهب والفضة، لأنه يوقف دورة المنفعة العامة، وكذلك اكتناز الكتب والمطبوعات، التي تبقى مع صاحبها حتى الموت، وقد يلقي بها الورثة إلى مطاعم ومحال بقالة، بدلا من أن تطعم جوعى للمعرفة وفقراء للعلم، الحل في أن ندع الكتب تنطلق من سجونها إلى أيدي من يحتاجونها وعقول من يريدونها، وهنا أذكر أستاذتي ومعلمتي العزيزة في كلية الإعلام الدكتورة عواطف عبد الرحمن أطال الله في عمرها، التي تبرعت بالكثير من كتبها لكليتنا الإعلام ومعهد البحوث الإفريقية والمكتبة المركزية بجامعة القاهرة، ونقابة الصحفيين ومكتبة الإسكندرية، كما قالت لصديقنا وزميلنا الدكتور محمود القيعي في تحقيق نشر بالأهرام قبل نحو عام ونصف العام، وكان التحقيق استجابة لمبادرة أطلقتها الدكتورة درية شرف الدين الإعلامية المرموقة تحت عنوان « تبرع ولو بكتاب»، ووقتها كانت هناك دعوات لدعم هذه المبادرة من الدولة ومن المثقفين، واليوم أتمنى أن نبدأ جهدا كبيرا في هذا الاتجاه، أذكر عندما كنت أعيش في قطر، أن التقيت في معرض الدوحة للكتاب، فتاة فلسطينية تمثل جمعية تتلقى الكتب كتبرعات وترسلها لفلسطين، نحتاج إلى منظمات خيرية مثل هذه الجمعية، انطلاقا من حقيقة ساطعة هي أن الكتاب لا يقل أهمية عن رغيف الخبز ، وليكن لدينا « بنك الكتاب» تماما مثل «بنك الغذاء»، وأعدكم بأنني سأكون من المتبرعين، وأهزم «روح الاكتناز»!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية