تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

عن لون بَشْرة كليوباترا

أكثر من مليون هو عدد الإجابات التى يطرحها مُحرك البحث الإلكترونى العالمى جوجل عند سؤاله عن (لون بشرة كليوباترا)، فيما تُطالع الباحث عناوين للإجابات من نوعية (رسميًا حسم الجدل حول لون بشرة كليوباترا - هل كانت كليوباترا سمراء البشرة؟ -الجدل انتهى .. هذا هو لون بشرة كليوباترا -غضب كبير ودعوة لحظر منصة فى مصر بسبب لون بشرة كليوباترا)،

ورغم أن هذا الجدَّل المصنوع تم فرضه على الرأى العام العالمى عمومًا والإفريقى والمصرى خصوصًا عبر مِنصة أمريكية هى (نتفليكس) التى بدأت الدعاية مؤخرًا لفيلم صنفته بأنه (وثائقي) حول الملكة (كليوباترا) وتجسد دورها فيه الممثلة الإنجليزية السمراء (أدل جيمس)، فإن الموقع الإلكترونى الأمريكى المُعبر عن فضائية (الحرة) الأمريكية –أيضًا-، يُشارك فى الجدل عبر عنوانٍ يناقض مُحتوى (نتفليكس) هو (فاتحة اللون بملامح يونانية ..من هى كليوباترا؟)،

..وهكذا على عتبات العالم الجديد تسير ماكينات صناعة الوعى بالإنسانية صوب محطات التشتيت والتفتيت والإرباك، ليُصبح على إنسان زماننا أن توقظه يوميًا معارك موزعة بين تلك التى عمادها السلاح، وأخرى عمادها الفُرقَة، ووقودها الفتنة، وزيتُها الوقيعة بين بنى الإنسان، ليغدو مُستهلكًا بين مُحاولات الذود عن حياته أو عن مُعتقده أو عن ثقافته وصولًا لجنسه،

وبين مُحاولات إخماد حرائق تُفتعَل تارةً بين أسود وأبيض، وثانية بين سُكان أصليين ومُهاجرين، وثالثة بين الرجل والمرأة، ورابعة بين أسوياء وشواذ، وعندما تنفد من واقعنا أسباب الاشتعال فلا مانع من أن يتم استدعاء أسباب الشَرَر من غياهب التاريخ ليغدو ما هو بابٌ للتدبر تأهُّلًا للبناء فى الواقع والمستقبل مدخلًا لكل فتنة مؤهِلِة لإرباك الحاضر واستلاب المستقبل.

 

حافلٌ هو التاريخ الهوليودى بأعمال عمدت منذ بدايات السينما إلى إعادة إنتاج التاريخ بما يتسق مع أهداف مُغرضة تسعى لتشويه ما هو راسخ فى الوعى البشرى من حقائق، والأمر ليس بغريب على حضارة نمت على إبادة الملايين من سكان القارة الأمريكية الأصليين، ولم تكتف بسلبهم الأرض والمقدرات والحياة بل راحت تُعيد تصدير صورتهم، فارضة تحريف الاسم من (السكان الأصليين) إلى (الهنود الحمر) الذين باتوا وفق الروايات الهوليودية المُتعاقبة قبائل من المتوحشين المتخلفين الذين يواجهون تحضر الإنسان الأبيض دون أى إشارة إلى كونه (لصا ومحتلا)!،

لكن حالة عولمة منصات صناعة الوعى التى أنتجت منصة عابرة لكل الحدود مثل (نتفليكس)، تُقدم نموذجًا أكثر تطورًا وتوسعًا للتطرف فى التزوير الحضارى والتزييف التاريخى مُتجاوزة هدفها القديم فى نسبة الحضارة المصرية القديمة إلى (اليهود) باعتبارهم بُناة الأهرام، بإدخال مكوِّن جديد يوسِع من دائرة التشويش فى أصل الحضارة المصرية تحت شعارات (المركزية الإفريقية)، وكأن الحضارة الأمريكية الجديدة تسعى للتطهر من تاريخها الاستعمارى والاستعبادى من خلال تقديم الحضارات القديمة باعتبارها نبتت من ذات المبادئ الوحشية التى تبناها بناة أمريكا الأوائل،

والأمر لا يختلف عند تناولها صورة العربى وحضارته التى حصرتها سينما هوليود فى مظاهر التخلف منذ نشأة سلسلة أفلام (أنديانا جونز) بدايات القرن الماضي، القضية إذن ليست مجرد لون بشرة (كليوباترا)، كما أنها لا تتوقف عند حدود عمل سينمائى سيمر كما مرَّ مئاتٌ غيره، لكنه الوجود الإنسانى والمصير البشرى فى ظل ما تفرضه علينا أدوات العولمة من قيم وسلوكيات ومعايير للتحضر غير بريئة المصدر ولا محايدة الطرح ولا محدودة الدوائر فى تأثيرها، ليسير الركب الإنسانى فى عالم يرى أسياده من سواهم (إنسان درجة ثالثة)، لا ملكية له فى حضارة، ولا خصوصية له فى ثقافة، ولا حق له فى تقرير مصير،
إنَّه الواقع الذى يضعنا فى عين المواجهة انتصارًا لمصيرنا الإنسانى، لا مجرد انتصارٍ للون بشرة، ملكة كانت قبل ألفى عام ولا لحضارة كانت منذ سبعة آلاف سنة، وهو ما يقودنا إلى البحث فى الأدوات التى تفرض حضورنا على الإنسانية عبر قوانا الناعمة والتى فرض الوقت عليها أن تُفعِل أدواتها فى كل فنون الإبداع مُتحررة من كل ثقافات الاستهلاك السوقي، طرحًا لما فيه انتصار لأصل حضارتنا، وإنتاجًا لما يُجلى هويتنا وذودًا عن كل ما ينال من إرثنا الإنسانى الذى أنتجه أسلافٌ أقاموا حضارتهم فى وطنهم بغير عدوانٍ ولا جور ولا استعباد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية