تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المسافة صِفر بين الفن والمُقاوَمة
كُلما استبد التوحش بالواقع الإنسانى استنفَرَت الفِطرة السوية كل بواعث الإنسانية الكامنة تحت رُكام الجور والعُنصرية والكراهية والتمييز، لتعتصم بالحياةِ إنسانيةٌ ساعيةٌ للنجاة من التوحش عبر رُسلٍ يحملون رايات المقاومَة فنًا، ويواجِهون الموات إبداًعا، ويتلون آى الحقيقة جمالًا يُبدِد قبح الزور، ويفرضون قرار الحق المكفول لأصحابِه فَرضًا لا يعترف بتمييز، ولا يُقر أى استثناءٍ لمُتجبِر حتى لو كان ممثلًا فى «فيتو» أمريكى يُخالف الإجماع الإنسانى الدولى ويُناقض الأغلبية العالمية ليدعم مُحتلًا صهيونيًا فاشيًا لا يرعى فى الإنسان عمومًا وفى إنسان فلسطين على وجه الخصوص إلا ولا ذمة،
هكذا يتجاوز الفن حد الإبهار إمتاعًا إلى حدود يستحيل فيها تارةً مِنصة بيان للحقيقة، وحِصن حماية للفِطرة السوية تارة ثانية، ومِنصة إطلاقٍ تواجِه جحفل التوحش البدائى لتُصيبَه من المسافة صِفر تارة أخرى.
ولأن مصر حاضرة الدنيا مُنذ فجرها يحملها إلى كُل غدٍ أجنحة إبداع تنمو مع مُبدعيها، يُقَرِر الفنان التشكيلى الدكتور «سامى البلشي» أن يُبادِر إلى مِنصة الفن مُطلِقًا لوحاتِه داناتٍ فنية تستهدِف ضمير إنسانية القرن الحادى والعشرين لتصيبَه مِن «المسافِة صفر» بحسب ما قَرر أن يتخذ لأحدث معارضه عنوانًا،
واقفًا البلشى بين لوحاتِه مُتجاوِزًا كل فواصل بين الفن التشكيلى وقضايا الحقوق الإساسية لإنسان الألفية الثالثة، ورابطًا بين حالة النضال مُقاومةً للمُحتل على أرض فلسطين، وبين حالة النضال تشكيلًا يُجسد تَطلُعات كل إنسانٍ على وجه البسيطة لغدٍ لا شرعية فيه لمُحتل ولا فوقية فى قوانينه لمُستَبِد ولا تجريم فى قواميسه لمُعتصمٍ بحقه فى وطن حر الثرى عزيز القِرى،
ومِن هُنا تتجسد أهمية المعرض بما حوى مِن لوحاتٍ مُعظمها أقدَم مِن العدوان الصهيونى الحالى على غزة، وعلى ما يبدو كانت اللوحات على فوهات إطلاقها موضوعة فى حالة انتظارٍ للحظة إطلاق تمنحها الحضور حياة ليعتمِد الواقِع بتحدياتِه اسمًا لمعرضها يُلخِص غاية رسالتها حيث الفنْ مُقاومة وحيث كُل لوحة رصاصة يقظة تُصيب وعيًا طال تخديره مِن «المسافة صفر» فيتنبَه قبل أن تُعيده البربرية الصهيونية إلى توحش العصور الحجرية.
كُل ألوان «البلشي» فى لوحاتِه ساخِنة طازجة، حتى فى تلك التى قصر فيها بيانُه الفنى على الأبيض والأسود، وكُل شخوص تشكيلاتِه غير مُحَدَدةٍ بجنسية أو جُغرافية أو حقبة زمنية، الملامِح أبسط مِن كُل تعقيدات الفوارق بين البشرية، والرسالةُ فى كُل لوحَة مُتجردة مِن الانتماء إلى مَدرسة إلا جامِعة الحياة، والعلاقة بين الأرض والسماء أو الحق والباطل أو الوجود والعدم أو المُقاومة والانسحاق جميعها تُمثلها شخصيات موزعة على اللوحات مُمتدة الهامات مِن الأدنى إلى الأعلى حيث الكُل فى ساحة الحق واحد والجميع فى ميزان العدل سواسية.
إنها الانحيازات الفنية التى خبزت روح «البلشي» التشكيلية والإنسانية مُنذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى وحتى اليوم، والتى منحها من حيوية التلقى مساحات حرية تُغوى كُل متلقٍ بأن يقرأها فى ضوء معاركه الشخصية والوطنية بغض النظر عن انتماءاته، وهكذا يُقدم التشكيلى المصرى «سامى البلشي» بمعرضه «المسافة صِفر» حالة تحريضية فنية لفنانى الدُنيا أملًا فى انتفاضات فنية تنتصر للإنسان فى مواجهة كُل انسحاق أمام احتلال أو استبداد أو رِدَة.
حالةٌ تُحاكى نماذج النضال الفنى المصرى فى مواجَهة العدوان، تلك الحالة التى نظمتها «جمعية خريجى الفنون الجميلة» معرضاً جسد الكفاح الشعبى فى محطة السكة الحديد ببورسعيد مدينتنا التى صمدت فى وجه عدوان صهيونى وانجليزى وفرنسى، حينها قرر الفنان المصرى أن يكون فَنه المُقاوِم أوَل ما تقع عليه أعين العائدين إلى بورسعيد بعد اندحار العدوان.
إنَّه الفن حين يُراِفق النضال والفنان حين يُؤمن بقدرَتِه على صناعة الفارق وإصابة كبد الحقيقة من مسافة الصفر، نموذج دحرجَه سامى البلشى وبات على كُل صاحب إبداع أن يُسهم فى دفع كُرتِه أملًا فى غدٍ لا يعترف بُمحتل ولا يُميز بين إنسانٍ وآخر (لمّا يِعَانِدْ صُبْحَكْ سُور، وأما يِخاصِم دَربَك نُور- اِرْسِم شَمْسَك فِكْرَه، قَادْرَه تِلِفْ الكُونْ وتِدُور- تِلقَى الصُبْح الصَابِح طَالِع، مِنْ قَلبْ الوطن المَأسُور- يِشِبْ يِدِبْ يِهِد السُور، يِلْمَع حقك .. بَدرْ بدُور).
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية