تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
على باشا مبارك
نحن أمام شخصية غير عادية .. اعتمدت على نفسها تماما .. حتى وصلت إلى أعلى المناصب .. منصب " الوزير " .. قصة حياته هى جزء مهم من تاريخنا .. هذا العملاق قدم الكثير لوطنه .. عثرت على قصة حياته فى كتاب " حياتى " .. كتبه على مبارك بنفسه .. وعلق عليه واعد فهارسه عبدالرحيم يوسف الجمل مدرس مساعد بكلية التربية ببورسعيد .. وعلى باشا مبارك من مواليد
سنة ١٨٢٤ ميلادية ( ١٢٣٩ هجرية ) وهو ابن قرية برنبال الجديدة .. احدى قرى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية ..
بحثت عن مفتاح شخصيته .. وهو الجانب الانسانى الذى يقودنا الى أعماق حقيقة الشخصية .. ولعل الجانب الإنسانى هو الغالب على شخصية الرجل .. وهو ما سوف نتعرف عليه تباعا طوال الحديث عنه .. يقول على باشا مبارك .. انه من عائلة اطلق عليها المشايخ .. كثيرة الفروع .. توجد حارة كاملة فى القرية تحتوي على مائة نفس من عائلته .. اغلبهم يعملون فى القضاء والامامة وعقود الزواج والكيل والميزان والزراعة .. واضطر والده مبارك بن مبارك بن سليمان بن إبراهيم الروحى .. الى الفرار من الضرائب الى قرية الحماديين بالشرقية .. وبلغ على مبارك ست سنوات .. تعلم خلالها القراءة والكتابة فى برنبال على يد رجل كفيف اسمه ابا عسر !!
وانتقلت الاسرة الى عرب السماعنة بالشرقيه ايضا .. وأصبح والده فقيه القرية وإمامها .. وقام بتعليم ابنه على مبارك بنفسه .. ثم بعد ذلك .. أرسله للشيخ احمد ابو خضر بقرية الكردى .. ونجح الشيخ فى تحفيظ على مبارك .. القرآن خلال سنتين .. ثم أرسله والده الى صديق له يعمل كاتب للحسابات .. فأقام عنده فى منزله مع أولاده .. يتعلم منه .. ولكنه عامله بقسوة وكان يضربه .. وهرب على مبارك الى المطرية للإقامة مع خالته .. ومرض وهو فى الطريق اليها .. فأخذه رجل لا يعرفه وعاش معه فى قرية صان الحجر لمدة ٤٠ يوما .. وأخذ والده يبحث عنه فلما شاهده من بعد .. هرب حتى لا يراه .. وعاد على مبارك الى برنبال مرة ثانية .. وأخذه شقيقه الى والده .. وبذل والده جهدا كبيرا لاقناعه بدراسة القراءة والكتابة .. لكنه لم يقبل .. وقال لهم .. ان المعلم لا استفيد منه إلا الضرب والكاتب لا يفيدنى الا الضياع والأذية ويستفيد من خدمتى له .. والحقه والده بالعمل لدى احد كتبة المساحين المتخصص فى مساحة وقياس الأرض لمدة ثلاثة شهور .. وافشى سره وأخبر عما ياخذه من الناس .. فطرده .. وأخذ على مبارك يعمل مع والده فى جمع الأموال الأميرية التى على العرب .. فكان يباشر الكتابة بتسجيلها ..
وبعد سنة كاملة تم تعيينه مساعد كاتب فى مأمورية ابو كبير .. بمرتب ٥٠ قرشا فى الشهر .. ولم يتسلم اى شئ من المرتب طيلة الثلاثة اشهر .. طلب منه المأمور تحصيل مال ابوكبير .. وهنا خصم على مبارك راتبه المتأخر من الحصيلة .. وكتب ايصالا بالمبلغ ووضعه فى كيس النقود .. فاغتاظ المساح .. واتفق مع المأمور على الانتقام من على مبارك .. وإرساله للجهادية .. ووضعوه فى السجن لخمسة وعشرين يوما .. لكن السجان رق له لصغر سنه .. وان كان على مبارك .. قد منحه بعض من النقود التى كانت سبب سجنه .. وأرسل لوالده بخبره بحبسه .. فذهب ابوه الى محمد على باشا حاكم مصر الذى تصادف وجوده فى مدينة منية القمح فى ذلك الوقت وقدم له طلبا يتضمن قصة على مبارك .. وبعد ان استمع محمد على جيدا وضع تأشيرته على الطلب بإخلاء سبيل على مبارك .. وقبل خروجه من السجن .. عرض عليه السجان .. ان يعمل لدى المأمور ككاتب وطلب منه ان يكتب خطه فى ورقة ليراها المأمور .. وكتب على مبارك عريضة ومعها ٢٠ قرشا ليمهد الحارس الطريق للفوز بهذه الوظيفة .. ووعده بأكثر لو حصل عليها .. ودخل الفتى على مبارك على المأمور مقبلا يده .. قال المأمور : تعمل معى كاتبا ولك عندى الطعام يوميا و ٧٥ قرشا كل شهر .. وبالصدفة يشاهد على مبارك فى هذه السن .. مشايخ البلاد والحكام وقوفا بين يدى المأمور .. وهو يلقى عليهم التنبيهات وهم ممتثلون لأوامره .. يقول على مبارك : كنت اعتقد ان الحكام لا يكونون الا من الأتراك .. طبقا لما جرت به العادة فى تلك الأزمنة .. وتعجبت كيف لهؤلاء .. يقبلون الأيادي بهذه الصورة .. وحرصت كل الحرص على الوقوف على هذا السبب .. وفى اليوم التالى يحضر والده ويخبره على مبارك بعمله الجديد لدى المأمور .. ويتقدم الأب بالشكر للمأمور .. وفى المساء يجلس مع والده .. ويستفسر منه عما يدور فى ذهنه .. قائلا : هذا المأمور ليس من الأتراك لانه اسمر اللون .. يجيب الأب : يمكن ان يكون عبدا عتيقا .. ولعل سبب ذلك مكارم أخلاقه ومعرفته .. لعله تعلم بالازهر .. فيرد على مبارك : ومن خرج من الأزهر حاكما .. فيجيب الأب : يا ولدى كلنا عبيد الله .. والله تعالي يرفع من يشاء .. فيقول : لكن الأسباب لابد منها .. ولم يقتنع على مبارك بما قاله والده .. عاد الوالد لبلدته ترك على مبارك يعمل لدى المأمور .. ومن هذه اللحظة سيطر على فكر وذهن على مبارك موضوع واحد فقط طوال الوقت يفكر على مبارك .. كيف يمكن له ان يصبح من الحكام .. بعيدا عن ظلم واذلال رئيس العمل .. وماذا لو تكرر نفس ما حدث من قبل المساح .. ودخوله السجن .. مع المأمور ؟!
فكر على مبارك .. كيف يصبح هو رئيس العمل .. كالمساح او المأمور .. اخذ يسأل ويستفسر من كل من يعمل معه .. عن أسباب الترقية .. وكيف يتم اختيار هؤلاء الحكام كبار العاملين .. فأخبروه .. انه عندما فتح محمد على باشا المدارس .. اصبح اختيار الحكام من هذه المدارس ..
وسأل على مبارك .. هل يدخلها احد من الفلاحين ؟!
قالوا له : يدخلها صاحب الواسطة .. وقالوا له ان هذا المأمور من خريجى مدرسة القصر العينى ..
وكان على مبارك يسجل كل ما يقولوه له عن المدارس .. حتى الطريق والمسافة وأسماء البلاد التى يمر عليها للوصول لمدرسة القصر العينى .. وكل ساعة يزداد شغف على مبارك على الالتحاق بمدرسة القصر العينى .. ويتعلل بحجة زيارة اهله .. ويحصل على إجازة من المأمور ١٥ يوما .. وينطلق على مبارك الى مدرسة القصر العينى .. وهنا يتدخل القدر .. ليحقق لهذا الصبى الطموح .. حلمه .. حيث يصل الى قرية بنى عياض مركز ههيا بمحافظة الشرقية .. ويتقابل مع مجموعة أطفال فى كتاب بقرية ميت العز .. وقالوا له : ان نجباء الكتاب ينتقلون الى المدارس بدون واسطة ..
وفى المقال القادم لو فى العمر بقية .. نتعرف على مدى قوة ارادة وإصرار على مبارك لتحقيق حلمه .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية