تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

التقيت أول مرة وجها لوجه مع الكاتب الصحفى الكبير أنيس منصور فى السبعينات .. فى منزل المهندس عثمان احمد عثمان بحى النخيل فى بلدى الإسماعيلية  .. وقدمنى له عثمان قائلا : ابننا عبدالوهاب عدس  .. أخرج أنيس منصور حبة قرنفل من جيبه لى .. قائلا : اغلى هدية ليك يا عم عدس  ضعها فى فمك .. وستعرف قيمتها ..

كان عثمان وانيس عائدان من لقاء الرئيس الراحل انور السادات الذى كان يقيم عدة ايام كل فترة فى جزيرة الفرسان على القناة بالإسماعيلية .. وكان عثمان اهم مصدر لاخبار الرئيس السادات .. وكنت أيامها محرر رئاسة الجمهورية  .. التقى بعثمان طيلة اقامة السادات بالإسماعيلية  .. وقد حصلت منه على تشكيل وزارة ممدوح سالم بالكامل قبل إعلانها بـ ٢٤ ساعة .. بسببها منحت أول علاوة استثنائية فى تاريخى الصحفى من الأستاذ محسن محمد رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير الجمهورية فى ذلك الوقت  ..

كنت اعرف جيدا علاقة انيس منصور بالسادات .. وأنه كلفه بمهام كبيرة وخطيرة وسرية .. خلال محادثات السلام بين مصر وإسرائيل  .. فقد حاز ثقته كاملة  .. كما أن السادات قد خصه بالكثير من الأسرار والخبايا  .. ويكفى ان نعرف ان انيس منصور هو الذى كتب الجزء الخاص باليهود  .. من خطاب السادات الرائع فى الكينيست الإسرائيلي  .. وشاركه موسى صبرى ومكرم محمد احمد فى باقى الخطاب ..

سألت انيس منصور  : كم جلست مع السادات لتكتب مذكراته  .. قال : لا أعرف .. لكن فى إحدى المرات استغرقت الجلسة حوالى ١٨ ساعة .. وردا على سؤال قال : كنت اعيد صياغة ما املاه الرئيس واتحقق من صحة التواريخ  .. وقد نشرها انيس منصور  بعنوان من أوراق السادات  .. على حلقات فى مجلة اكتوبر .. ثم جمعها فى كتاب ..

وقد تميز انيس منصور فى كتابه الأدب السياسى بجدارة .. وقال له الرئيس الجزائرى هواري بومدين ( الله يرحمه )  .. لو اشتغلت بالسياسة .. ستتحول السياسة الى ادب يقرأه الناس ..

وفى عام ١٩٦٧ .. فجر انيس منصور حملة ( اعرف عدوك ) للتعريف بالعدو الإسرائيلي  .. وقدم عدة كتب منها : الحائط والدموع  ، وجع فى قلب إسرائيل .. واستمر فى هذه الكتابات معتبرها رسالة وطنية  .. حتى انتصار اكتوبر ١٩٧٣ ..

وقد حفظ انيس منصور القرآن كاملا وهو فى العاشرة من عمره .. كما قال هو نفسه فى حواره مع أسرة دار الهلال  فى مايو  ٢٠١٠ فى اللقاء الذى اداره الكاتب الصحفى الكبير الصديق عبد القادر شهيب .. أطال الله فى عمره ومتعه بالصحة ..

ولمن لا يعرف فإن انيس منصور كان ترتيبه الأول فى الدراسة على مصر .. الأول فى الابتدائية والأول فى التوجيهية على مصر كلها .. الأول فى كلية الآداب  _ قسم فلسفة  _ جامعة القاهرة .. وتم تعيينه معيدا ..

ترك الجامعة ليعمل فى الصحافة  .. عرض عليه السادات تعيينه وزيرا للثقافة  .. لكنه اعتذر .. وقال يومها : انا لا أصلح كوزير .. اريد ان اقرأ واكتب فقط .. يقول انيس منصور  : انا اديب يعمل فى الصحافة  ..

يقول  : بدأت حياتى الصحفية فى الصفحة الأخيرة منذ ٤٨ سنة وحتى نهاية العمر .. وبعد كتابه  "حول العالم فى ٢٠٠ يوم " عينه على امين رئيسا لتحرير مجلة الجيل  .. ثم مجلة هى .. فآخر ساعة .. واكتوبر ثم مجلة وادى النيل  .. فالعروة الوثقى فجريدة مايو واخيرا مجلة الكاتب المصرى  ..

أتوقف هنا امام اعظم درس يقدمه انيس منصور للأجيال : انه فى بداياته كان يعيد كتابة مقاله ٢٨ مرة .. ويجرده من كل المصطلحات الفلسفية  .. بهدف واحد فقط  .. ان يكون مفهوما عند اقل الناس ثقافة ..

ويقول انيس منصور عن نفسه : انا اقسو على نفسى جدا جدا  .. والنتيجة قدمت ٢٣٦ كتابا .. فالمسألة جادة وليست مزاحا .. كنت أصغر كاتب لليوميات فى الأخبار ..

ويقدم لنا انيس منصور  .. اهم نصيحة قائلا  : من لا يقرأ  لا يعرف .. ومن لا يعرف لن يجيد الكتابة  .. ومن لا يسأل لا يعرف  ومن لا يعرف لن يتقدم .. وقد وصفته الكاتبة سهير حلمى قائلة : انيس منصور فيلسوف البسطاء

.. بقى ان اقول  .. ان اهم ما يميز انيس منصور عشقه للمعرفة .. وان المشير عبد الحكيم عامر  .. عندما فرأ كتابه " ٢٠٠ يوم حول العالم " قال لمصطفى امين  : اتمنى ان اتنازل عن جميع وظائفى لأقوم برحلة مثلها  .. وقال الكاتب الكبير احمد بهاء الدين  .. ان كتاب انيس منصور .. فى صالون العقاد .. كانت لنا ايام .. اهم كتاب قرأته ..

اقول ويبقى أنيس منصور أحد نجوم عصره وكل عصر، نموذج لمن يبحثون عن قدوة .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية