أمس الأول، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال للرئيس الروسى بوتين بتهمة ارتكاب جريمة حرب على خلفية خطط مزعومة لترحيل آلاف الأطفال الأوكرانيين قسرا إلى روسيا، واليوم تمر الذكرى العشرون للغزو الأمريكى للعراق. ما العلاقة بين الحدثين؟

مذكرة اعتقال بوتين لا يمكن فصلها عن الحرب الأوكرانية. الغرب يتهمه بغزو دولة ذات سيادة وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية بمبررات غير حقيقية كقمع القيادة الأوكرانية للأقليات من أصل روسى، والعمل كرأس حربة ضد موسكو لصالح الغرب. حسنا ماذا عن العراق؟ بوش الابن غزا دولة ذات سيادة بمزاعم ثبت كذبها كامتلاك صدام أسلحة دمار شامل والتورط بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية. لم يحصل بوتين على تفويض دولى لغزو أوكرانيا، ولم يكن هناك تأييد عالمى له. بوش الابن كذلك احتل العراق ضاربا بعرض الحائط مجلس الأمن ورفض الغالبية الكاسحة من الدول.

لا يمل الإعلام الغربى الحديث عن قتل عشرات آلاف الأوكرانيين وتشريد الملايين، وتدمير البنى التحتية وإعادة أوكرانيا لعصور الظلام. لكن ما يجرى مجرد هامش على متن ما حدث بالعراق. مئات آلاف القتلى وملايين المشردين وتدمير كامل لمقومات الدولة من تفكيك للجيش، وانهاء لوجود المؤسسات. انتهاكات حقوق الإنسان كانت أفظع. سجن أبوغريب نموذج صارخ. أوجه التشابه غير مريحة للغاية بالنسبة للأمريكيين. لكن فى النهاية، مازال بوش الابن يعيش حياته بشكل طبيعى ويحضر المناسبات ويمارس هواياته كالرسم مثلا دون أن تجرؤ مؤسسة قضائية دولية على إزعاجه. ورغم أن الأمريكيين أدركوا كم الأخطاء والانتهاكات التى وقعت من زمرة المحافظين الجدد فى عهده، إلا أن حديث المحاكمة مستبعد تماما.

مع بوتين الأمر مختلف. مذكرة الاعتقال تأتى فى سياق غربى لتحويل حياته إلى جحيم. على الأرجح لن يكون هناك اعتقال ولا محاكمة، لكن تساؤلات كثيرة تُثار عن معايير الجنائية الدولية، ولماذا يتم توجيه الاتهام لهذا المسئول، وليس إلى ذاك؟ بالمناسبة، ملايين البريطانيين تظاهروا ضد بلير مطالبين بمحاكمته لمشاركته فى غزو العراق.. أين هو الآن؟ حر طليق يكسب الملايين ويحظى بالتقدير، وتتم الإشادة بحكمته!.