تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إبراهيم العزب.. ملح الصحافة
عرفته قبل 23 عاما. كنت أعمل فى مكتب صحيفة عربية، وكان هو يتعاون معها. لم يكن يمكث فى المكتب مطلقا، بل ينطلق لعمل صحفى ميدانى آخر يزود به صحيفة أخرى. كان يتندر بأن من هم على شاكلتى، ممن يقومون بأعمال الديسك والصياغة، يجلسون فى التكييف بينما عمله يتطلب الوجود فى الشارع ساعات طويلة يعانى الحر والضوضاء وزحمة المواصلات.
منذ ذلك التاريخ، وحتى الجمعة الماضية، عندما رحل فجأة، تكونت لدىّ صورة عن الزميل العزيز إبراهيم العزب لم تتغير مطلقا. صحفى يبذل قصارى جهده من أجل تحسين دخله، يمضى يومه حاملا حقيبة جلدية ضخمة بها نتاج عمله الذى لا يتوقف.. يوزعه على صحيفته المحلية التى يعمل بها ومكاتب صحف عربية. كان يستعين على هذه المشقة ـ التى رافقته طيلة حياته الصحفية ـ بابتسامة دائمة وخفة دم ومخزون من الحكايات(بعضها إيجابى وأكثرها غير ذلك) عن المجتمع الصحفى. لم أقابله يوما إلا وتحدث معى عن تحقيق صحفى تعب فى إنجازه أو تقرير أرهقه ماديا وجسمانيا كى يتمه.
إبراهيم العزب لم يكن وحده. الغالبية الكاسحة من الصحفيين مثله.. راتب لا يكفى ومحاولات مضنية لتدبير مصادر أخرى. البعض، خاصة الشباب، تضطره الظروف للعمل بأماكن عدة ليلا ونهارا.. ومع ذلك، فإن الدخل لا يكفى ومتطلبات الحياة ملحة وفى ازدياد. ليس كل الصحفيين نجوما أو كتابا كبارا بل هم ملح الصحافة.. يعملون فى صمت وتعفف لا يسألون الناس إلحافا.
قبيل رحيله بـ3 أيام، حدثنى إبراهيم عن احتمال خضوعه لجراحة، كان مهموما بشأن توفير تكاليفها. أُحيل إلى المعاش قبل سنوات. انخفض دخله جذريا وكذلك مبلغ التأمين الصحى المقرر، فى وقت تتفاقم المتاعب الصحية وتتضاعف حاجات الأسرة. وبينما يتصور مئات الصحفيين أن المعاش فرصة للراحة والتخفف من الأعباء، يجدون أنفسهم مطالبين بتحمل أعباء أكبر وأكثر تعقيدا. لم يعد الجسم يتحمل الوجود شبه الدائم فى الشارع لإنجاز العمل، وأبواب الصحف العربية شبه مقفلة وكذلك الإعداد التليفزيونى. فما العمل؟ إنها معضلة مؤلمة واجهها الفقيد الغالى ويواجهها كثيرون من زملائه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية