تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سرية الحسابات والتهرب الضريبى
يناقش البرلمان المصرى فى الآونة الحالية مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية رقم 206 لسنة 2021، وذلك بإضافة فقرة ثانية للمادة 78 تسمح: بالإفصاح عن المعلومات لدى البنوك لأغراض تبادل المعلومات تنفيذا لأحكام الاتفاقيات الدولية النافذة فى مصر. والمادة المشار اليها تسمح بتبادل المعلومات لأغراض الضريبة بين السلطات الضريبية فى الدول التى تكون بينها وبين مصر اتفاقيات ضريبية دولية، وفى حدود ما تنص عليه أحكام هذه الاتفاقيات.
وهناك اتجاه دولى متزايد يتجه الى إصلاح الخلل فى النظم الضريبية على الصعيد العالمي، ويعمل جاهدا على الحد من الملاذات الضريبية التى يلجأ اليها بعض المؤسسات والشركات للتهرب الضريبي، والتى قدرت بنحو ثمانية تريليونات دولار أمريكي، وتكلف الدول ما بين 500 و700 مليار دولار سنويا على هيئة إيرادات ضائعة، خاصة لدى البلدان النامية. ولهذا حظيت هذه الظاهرة باهتمام متزايد خلال الآونة الأخيرة، وكذلك فى مختلف الدول المتقدمة والنامية وذلك بعد أن تفاقمت العجوزات فى موازنات هذه الدول بصورة كبيرة، وأدت الى المزيد من الاقتراض ومن ثم زيادة الدين العام. وهو ما يتطلب البحث عن حيز مالى معقول يسمح بتنفيذ السياسات المرغوبة لتحقيق التنمية الاحتوائية ويسهم فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى ويعمل على ضمان وصول ثمار النمو الى الفقراء والطبقة الوسطي، وذلك عن طريق التصميم الجيد للسياسة المالية على جانبى الإيرادات والمصروفات. من هذا المنطلق اتجه العديد من بلدان العالم الى انهاء عصر سرية الحسابات البنكية، وبناء عليه تم تأسيس المنتدى العالمى للشفافية وتبادل المعلومات لأغراض الضرائب عام 2009 والذى قام بدوره بوضع آلية تعرف بمراجعة القرناء peer Review وانضمت اليها مصر فى أغسطس 2016 وتتلخص الية عمل الاتفاقية فى ثلاث مراحل أساسية، الأولى تتعلق بتقييم الوضع القانونى والتشريعى للدول والتأكد من أنها تملك إطارا يسمح بالتطبيق الفعلى للاتفاقية. والثانية تعتمد على تقييم مدى فاعلية هذه الأطر فى التنفيذ الفعلى والتطبيق العملي، اما المرحلة الثالثة فهى تتعلق بتقييم الدول على مستويين إما منخفضا (فى حالة غير الالتزام او الالتزام الجزئى) وإما مرتفعا (فى حالة الالتزام الكامل او الالتزام الى حد كبير).
وفى حال حصول الدول محل المراجعة على تقييم منخفض يتم تطبيق بعض الإجراءات التحفظية من قبل الاتحاد الأوروبى ودول مجموعة العشرين، ومن بينها تطبيق أسعار خاصة لضرائب الخصم من المنبع. أو عدم تطبيق نظام الخصم الضريبي. مع عدم السماح بالاستفادة من مزايا الاتفاقيات الضريبية. بالإضافة الى تطبيق متطلبات إضافية بالنسبة لتطبيق السعر المحايد. وتحقق الاتفاقية العديد من المزايا اذ ستتيح للإدارة الضريبية معرفة الدخول الحقيقية للشركات والأشخاص التى يتم إخفاؤها داخل الحسابات البنكية الخاصة، وعلى وجه الخصوص خارج البلاد، وبالتالى تتم محاصرة عمليات التهرب والمتهربين فى جميع دول العالم عن طريق تبادل المعلومات. هذا إضافة إلى انها تعمل ضمن منظومة حوكمة وضوابط لتضمن سرية المعلومات المتبادلة من خلال قنوات مؤمنة طبقا للمعايير العالمية، وكذلك من خلال أشخاص محددة ومعروفة لدى الجهات الداخلية والخارجية لا يتم تبادل المعلومات إلا عن طريقهم. لذلك ارتفع عدد البلدان التى ألغت العمل بسرية الحسابات البنكية من 55 دولة الى 122 دولة حاليا. الامر الذى ساعد على محاصرة التهرب الضريبى وازدياد عائدات البلدان. وهنا نلحظ أنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها تطبيق مثل هذه الاتفاقيات، فجميع العاملين بالجهاز المصرفى على دراية كاملة باتفاقية الفاتيكا FATACA الخاصة بالولايات المتحدة الامريكية، التى تسمح للحكومة بالاطلاع على حسابات مواطنيها او حاملى كروت الإقامة بالاطلاع على حساباتهم لأغراض الضريبة.
وقد يرى البعض ان هذه المسألة ستؤدى الى هروب رءوس الأموال خارج مصر، وانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر داخل مصر، حيث تعتبر سرية الحسابات المصرفية الضمانة الرئيسية للمستثمرين والمتعاملين مع البنوك. وهو ما أصبح محل شك كبير فى ظل التطورات الحالية. وقد أثبتت الدراسات أن الضرائب لا تشكل عائقا أساسيا أمام القرار الاستثماري، وهو ما أكده تقرير الاستثمارالعالمى والذى أشار إلى عشرة مسارات للإصلاح من ضمنها الشفافية فى صنع القرار الاقتصادي، والقدرة على التنبؤ بالسياسات الاقتصادية، ومدى اتساقها وتناغمها، وتحسين كفاءة وفعالية الإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد جهة واحدة تعمل فى مجال تسهيل الاستثمار والحصول على التراخيص وحل المنازعات وغيرها ولم يأت بذكر على الضريبية. ان الهيكل الضريبى فى مصر يعانى اختلالات عديدة يأتى على رأسها انخفاض الجهد الضريبى حيث لا تشكل الضرائب اكثر من 13% من الناتج المحلى الإجمالى بالإضافة الى ذلك فان الضرائب على الدخول والمكاسب والأرباح الرأسمالية تشكل 39% فقط من الحصيلة مقابل 46% من الضرائب على السلع والخدمات، ناهيك عن ان نحو 23% من الحصيلة تأتى من قناة السويس وهيئة البترول والبنك المركزى وأذون وسندات الخزانة، كما ان الضريبة من الأجور والرواتب تشكل 9.3% وكلها أمور تشير الى اختلالات عديدة فى الهيكل الضريبى تحتاج الى المزيد من الإصلاح والاستفادة من التطورات الدولية الجارية حاليا، حيث اصبح العالم على شفا مرحلة جديدة تماما من منظور العدالة الضريبية والتعاون الدولى من أجل المزيد من الشفافية فى المعاملات المالية، مما سيحد كثيرا من الملاذات الضريبية المنتشرة فى جميع أنحاء العالم، وكذلك سطوة الشركات دولية النشاط. وكلها أمور تساعد البلدان فى الحصول على المزيد من الأموال اللازمة للتخفيف من عجز الموازنة العامة والسيطرة على الدين العام.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية