تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
بيان الحكومة والعقد الاجتماعى الجديد
أشرنا فى المقال السابق الى ان الفلسفة الاقتصادية الجديدة كما جاءت فى بيان الحكومة تقوم على اساس «التنمية الاحتوائية الشاملة» بديلة عن «سياسة التساقط من أعلى» والتى ثبت فشلها فى معظم الجوانب المهمة وأدت الى اتساع الفجوة وعدم المساواة وتراجع التنمية. لذلك فإن جعل النمو أكثر احتواء لشرائح المجتمع يجعله أكثر استدامة. وهو ما يطرح العديد من الاسئلة عن دور الحكومة فى الاقتصاد وهل من الممكن ان يكون المجتمع أكثر عدالة وإنصافا دون التضحية بالحرية الاقتصادية؟ ان هذه التساؤلات لم تعد مطروحة على الساحة المصرية فحسب، بل مطروحة ايضا على الساحة الدولية الأمر الذى دفع بعض خبراء صندوق النقد الدولى للقول «إننا نمر اليوم بحالة من التشوش الفكرى، فلم نتنبأ بالأزمة المالية والأسوأ من ذلك اننا ربما نكون قد أسهمنا فيها كذلك الاحداث الاقتصادية الجارية حاليا، وذلك لأننا ركزنا على الكفاءة دون الجوانب الأخرى». وهو ما اكدته «كريتستالينا جورجيفا» المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى فى مقالها بالعدد الاخير من التمويل والتنمية، مشيرة الى ان العالم يتجه الى عالم أكثر فقرا واقل امانا حيث يتسم بعدم العدالة وانعدام الاستقرار، إذ أن ثلاثة أرباع ثروة العالم فى أيدى عشر سكانه، وهناك أكثر من 780 مليون نسمة يعانون من الجوع. لذلك ينتاب الكثيرين الشعور بأن الاقتصاد لا يحقق مصالحهم وهم ليسوا قلقين فحسب بل غاضبون ايضا مما يثير المخاوف من «عصر الغضب». ويرجع السبب فى ذلك الى ان النموذج التنموى السائد قد بلغ مداه ولم يعد قادرا على تحقيق الاستقرار السعرى واستيعاب المزيد من العمالة وتقديم الخدمات الاجتماعية بالجودة والإتاحة المناسبة. وليست لديه القدرة على التعامل مع تحديات التقدم التكنولوجى والتحولات الديموغرافية والتغييرات الاجتماعية والمناخية والتوترات السياسية، وبالتالى يجب البحث عن نموذج جديد تتحدد فيه الادوار بشكل سليم وهو ما يتطلب تحديدا واضحا لدور الحكومة والقطاع الخاص. فالهدف الأسمى هو ان يعمل الاقتصاد على اسس سليمة تهدف الى تحقيق استقرار الاسعار وتعزيز العمل اللائق مع زيادة فرص العمل وتحقيق الاستقرار المالى مع ضمان مستوى للدين العام مستدام وآمن. وبالتالى نحن نحتاج الى سياسة اقتصادية مختلفة أكثر استدامة وعدالة وهو ما يتطلب التحول نحو عقد اجتماعى جديد يلبى احتياجات المواطنين ويضمن عدالة توزيع الفرص الاقتصادية لاسيما فى مجالات الصحة العامة والتعليم والاسكان وسوق العمل خاصة فيما يتعلق بالشباب والإناث ومحدودى الدخل. وهو ما يتطلب تحديدا واضحا لدور الحكومة وليس تجريدها من مهامها. حيث إن دورها هو ضمان عدالة النفاذ الى الفرص الاقتصادية ويسمح للجميع بإطلاق قدراتهم دون تمييز «بسبب العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعى» مع ضمان توجيه هذه القدرات نحو أهداف مشتركة متفق عليها فى إطار المصلحة العامة للمجتمع. اذ إن تزايد الافراد الذين لايستطيعون الحصول على الرعاية الصحية الجيدة والتعليم الجيد يتطلب تدخل الحكومة لإصلاح اختلالات السوق. وبالتالى فالبحث هنا عن الآليات الكفيلة بترشيد وتحسين أداء الحكومة، وليس مناقشة مدى أهمية وجودها فى النشاط الاقتصادي. اى اننا نبحث عن الشكل الامثل لتدخل الحكومة. وعلى الرغم من صدور وثيقة ملكية الدولة التى حاولت رسم الخطوط العريضة لهذه المسألة الا انها تظل قاصرة عن الرؤية الشاملة لهذه المسألة وتحديد الاولويات المجتمعية. ويقع العائق الكبير على السياسة المالية باعتبارها القادرة على إحداث العدالة والكفاءة الانتاجية فى نفس الوقت. لذلك أصبحت وما ينجم عنها من آثار والتكلفة الاجتماعية لها، ومن يتحمل الأعباء وتكاليف الإصلاح، محورا لصراع فكرى واجتماعى وسياسى كبير وذلك لكونها تؤثر على كل مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن الخطأ الجسيم القول إن اعتبارات العدالة الاجتماعية تتعارض مع ضرورات الكفاءة الاقتصادية، وهى المقولة التى اعتمد عليها البعض لتبرير سوء الاداء الاقتصادى وهدر الإمكانات واتخذوها ستارا لضعف الإنتاجية وعدم المبالاة بتخفيض تكلفة الانتاج وتحقيق الرشادة الاقتصادية. فالأصل ان تتم كل العمليات الانتاجية على اسس اقتصادية سليمة تعكس التكلفة الحقيقية وان تتحمل الخزانة العامة فرق السعر عند البيع للمستهلك إذا ما اردت الحكومة دعم هذه المنتجات. ومن الخطأ أيضا النظر إلى برامج الحماية الاجتماعية على أنها غير قابلة للاستمرار أو مضرة للتنمية الاقتصادية، وكلها أمور غير صحيحة. فالهدف الأساسى للسياسات المالية هو الحفاظ على مستويات معيشة الأفراد وتحديدا محدودى الدخل والفقراء جنبا الى جنب مع الحفاظ على القدرة التنافسية للمشروعات الإنتاجية وضمان الاستخدام الأمثل للموارد. وهنا تجد السياسة المالية نفسها أمام تحد هو كيف يمكن دعم الاقتصاد وتحقيق الاستقرار المالى وتعزيز الاستدامة المالية فى ظل ندرة الموارد وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام. ولمواجهة هذه التحديات يصبح من الضرورى العمل على توسيع الحيز المالى للدولة عن طريق تنويع مصادر الايرادات العامة من الهيئات الاقتصادية والشركات العامة وغيرهما، مع العمل على توسيع القاعدة الضريبية عن طريق تعزيز العدالة الاجتماعية وتقوية الادارة الضريبية ومحاربة التهرب والتجنب الضريبى، وإعادة توجيه الإنفاق العام لتعزيز الإنفاق الاستثمارى والاجتماعى خاصة على مجالات الصحة والتعليم، مع ضرورة اصلاح نظام التأمينات الاجتماعية ودعم شبكات الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق شمولها. وعلى الجانب الآخر يجب تعزيز وتنمية امكانات القطاع الخاص المنتج ليصبح أكثر ديناميكية وقدرة على المنافسة، شريطة ان يعمل وفقا لقواعد وضوابط السوق وفى إطار مؤسسى يمنع الاحتكارات ويحمى المنافسة ويعزز قواعد الدخول والخروج من الاسواق. وكلها أمور تتطلب تفعيل دور الأجهزة الرقابية وتفعيل وإنفاذ القانون، فكما قال روسو فى كتابه العقد الاجتماعى: فإن الرقابة تتحقق إذا كانت للقانون قوة فإذا ضاعت هذه القوة فكل شىء ميئوس منه وما من شىء شرعى يحتفظ بقوته عندما لا تبقى للقانون قوة. فلا شك فى أن توفير مناخ مناسب للاستثمار الجاد يستند فى الأساس على زيادة قدرة المستثمرين على تقدير العوائد والمخاطر الاقتصادية المتوقعة، لذا فإن ضمان اتساق السياسات الاقتصادية، وتأكيد مبدأ الشفافية. وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية