تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > عبد الفتاح الجبالى > العدالة الاجتماعية من كوبنهاجن إلى الدوحة

العدالة الاجتماعية من كوبنهاجن إلى الدوحة

استضافت العاصمة القطرية الدوحة القمة العالمية الثانية للعدالة الاجتماعية التي تأتى بعد مرور ثلاثين عاما من القمة الأولى التي عُقدت بكوبنهاجن، وخلال هذه الفترة أصبحت قضية الفقر العالمي واتساع فجوة التفاوت في الثروة والدخل بين دول العالم وفي داخلها من القضايا المهمة على الصعيد العالمي.والتي تتطلب البحث في أفضل السبل للقضاء على أخطر آفات العصر وهي الفقر وعدم المساواة والجوع.فيما يعد أسوأ انتكاسة لجهود إنهاء الفقر المدقع، والذي كان أول أهداف التنمية المستدامة في العالم. وكلها أمور أدت إلى الاهتمام بالعدالة الاجتماعية خاصة بعد ان اتضح ان مسار الاقتصاد العالمي السائد والذي اعتمد أساسا على وصايا الصندوق والبنك الدوليين فيما اصطلح على تسميته، توافق واشنطن، والذي ينطوي على السير في الاتجاه الرأسمالي المطلق،أدى في النهاية الي المزيد من عدم المساواة وسوء توزيع الدخول وأضرت بأهداف النمو والعدالة الاجتماعية.ونجم عنهالعديد من الآثار السلبية،التي برزت من خلال السير فى هذا المجال وأثبتت ان هذا المنهج قدأدى الى فقدان معنى العيش معا، ومعنى المنفعة العامة، وانعدام الأمان الوظيفي والاجتماعي، فبعد عقود من انحسار الفقر في العالم بدأت وتيرة تراجع معدلات الفقر في التباطؤ من عام 2015 بالتوازي مع ضعف النمو الاقتصادي وازدادت خلال الفترة (2020 ـــ 2024) حيث حدثت انتكاسة حادة في جهود مكافحة الفقر.حيث يتفشى التفاوت وانعدام الأمن وانعدام الثقة بشكل عميق في جميع أنحاء العالم. ويكافح عدد لا يحصى من الناس لتغطية نفقاتهم في حين تتركز الثروة والسلطة في القمة، ووفقاً للبنك الدولي، هناك ما يقرب من 3.65 مليار شخص (اى ما يقرب من نصف سكان العالم)فقراء. وهناك أكثر من 780 مليون شخص يواجهون الجوع يوميا. وهناك أكثر من 3 مليارات إنسان يفتقرون إلى النظام الغذائي الصحي، وبالتالي فهُم يصابون بالمرض أو السمنة أو حتى الهزال كما تظهر البيانات أن 35% من سكان العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف نظام غذائي صحي. وعلى الجانب الآخر تشير الإحصاءات الى ان ثلاثة ارباع ثروة العالم اليوم في أيدي ما لا يزيد على عُشر السكان حيث يمتلك أغنى 1% من البشر 45.6% من الثروة العالمية في حين ان النصف الافقر لا يمتلك سوى0.75% فقط ويمتلك 81 مليارديرا ثروة تفوق ما يملكه 50% من البشر مجتمعين اى أننا نتجه الى عالم أكثر فقرا واقل امانا نتيجة لارتفاع مستويات عدم العدالة والاختلالات الناجمة عن التطورات التكنولوجية والتجارة.

 

وترى أن أنالينا بيرموك رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة أن أزمة الجوع في عالمنا اليوم ليست نتيجة للندرة، بل هي نتاج عدم المساواة، والصراع، والخيارات السياسية.وقالت «في عالم تتوافر فيه الخيرات فإن ضمان حصول كل شخص في كل مكان على ما يكفيه من طعام أمر ممكن تماما».واختتمت قائلة: «عالم خالٍ من الجوع والفقر ليس طموحا بعيد المنال. إنه في متناول يدنا، إذا عملنا معا لتحقيقه».

وتشير الدراسات الى ان العالم لا يفتقر إلى الموارد اللازمة للقضاء على الفقر، لكن يفتقر الى تحديد الأولويات السليمة. ولذا نحتاج إلى تحرك حاسم وتعاون دولي قوي، والعمل على وضع آليات تمويل هذه الأهداف عن طريق دعم الضرائب التصاعدية، والالتزام بفرض ضرائب مناسبة على المليارديرات, فضلاً عن معالجة العنصرية وتعزيز المساواة العرقية كجزء من الجهود الرامية إلى مكافحة عدم المساواة.

من هذا المنطلق جاءت أهمية اعلان الدوحة الذي يجدد الالتزام بإعلان كوبنهاجن لعام 1995 وخطة التنمية المستدامة 2023 مع التركيز على التنمية الاجتماعية ضمن ثلاث ركائز أساسية هي القضاء على الفقر والعمالة الكاملة المنتجة والعمل اللائق للجميع والإدماج الاجتماعي مع التعهد بعدم ترك أي أحد خلف الركب، وحذرت من ان النمو الاقتصادي وحده غير كاف للتغلب على التفاوتات الهيكلية اذ ينبغي ان تتم هذه العملية وفقا لخطط تنمية احتوائية شاملة ومستدامة وفى إطار رؤية تنموية طموحة وواقعية في آن واحد للخروج من الأزمة الراهنة. وهو ما يتطلب السير بالاقتصاد الى التحول نحو اقتصاد تنموي مستدام يعظم القيمة المضافة الغنية بفرص العمل مع تعزيز الإنتاج والإنتاجية وزيادة الفرص الاستثمارية جنبا الى جنب مع تقديم الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم بأعلى مستوى من الجودة مع التأكد من ان ثمار النمو تعود بالنفع على كافة المواطنين وهذا لن يتحقق الا بالأخذ بمنهج التنمية الاحتوائية الشاملة. وبالتالي البحث عن نموذج تنموي جديد يقوم على التكنولوجيا ويشجع الابتكار والإبداع ويوفر المزيد من فرص العمل اللائق والتعليم الجيد الذي يواجه تحديات الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي. ويلبى احتياجات المواطنين ويضمن عدالة توزيع الفرص الاقتصادية لاسيما في الصحة والتعليم والإسكان وسوق العمل خاصة فيما يتعلق بالشباب. وهو ما يعنى السماح للجميع بإطلاق قدراتهم مع ضمان توجيه هذه القدرات نحو اهداف مجتمعية متفق عليها في إطار التنمية الشاملة.

مع تأكيد ان تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل أوجه عدم المساواة هو صلب اى عملية تنموية. خاصة ان جعل النمو أكثر احتواء لكل شرائح المجتمع يجعله أكثر استدامة، وبعبارة أخرى فان عدم المساواة وتراجع النمو الاقتصادي وجهان لعملة واحدة فالنمو الضعيف يرسخ الفقر وعدم المساواة نتيجة لانخفاض دخول الافراد وزيادة البطالة الهيكلية.

وكلها أمور تتطلب إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي وإصلاح الهيكل المالي العالمي ومؤسسات التمويل الدولية، وتأكيد المسئولية المشتركة والمتباينة للجميع.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية