تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

التضخم إلى أين؟

قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي في اجتماعهـا الأخير الإبقاء على سعر الفائدة كما هو ويأتي هذا القرار انعكاسا لتقييم اللجنة لآخر تطورات التضخم وتوقعاته، حيث سجل المعدل السنوي للتضخم العام 12.5% في أكتوبر 2025 مقابل 11.7% في سبتمبر 2025. وبالمثل، ارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% في أكتوبر 2025 مقابل 11.3% في سبتمبر 2025. نتيجة لارتفاع أسعار السلع غير الغذائية، وخاصة الخدمات، الأمر الذي حد من تأثير التباطؤ في تضخم أسعار السلع الغذائية. وترى اللجنة انه من المتوقع أن يرتفع المعدل السنوي للتضخم العام في أواخر الربع الرابع من عام 2025 انعكاسا لأثر زيادة أسعار الطاقة قبل أن يعاود انخفاضه في النصف الثاني من عام 2026 مقتربا من مستهدف البنك المركزي المصري. ومع ذلك، لا تزال توقعات التضخم عُرضة لمخاطر صعودية عالمية ومحلية، بما في ذلك احتمالية تصاعد التوترات الجيوسياسية، والثبات النسبي لتضخم أسعار الخدمات، وتجاوز آثار إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة للتوقعات. وهنا يصبح التساؤل عن المدى الزمنى لهذه التحركات، وبعبارة أخرى هل هو تضخم عابر ام أنه طويل الأمد وسيستمر معنا فترة زمنية طويلة؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل ستوضح آليات التعامل معه.

 

ويعد التضخم من الأمور الاقتصادية الهامة نظرا لتأثيره على كافة مناحي الحياة اليومية. كما انه العدو الرئيسي لأصحاب الدخول الثابتة من مكتسبي الأجور وأصحاب المعاشات، ناهيك عن آثاره على السياستين النقدية والمالية وبالتالي فإن ارتفاع معدلات التضخم ستنعكس بأثارها السلبية على القطاعات الأكثر فقرا مما يؤدى الى تفاقم أوجه عدم المساواة الحالية، كما يسهم في زيادة أسعار الفائدة مما يقوض من سياسات التعافي الحالية ويؤدى الى ارتفاع مستويات الدين العام، مما ينذر بمخاطر على السياسات الاجتماعية الحمائية وارتفاع معدلات البطالة وهكذا تواجه تحديات عديدة أهمها صعوبة الحفاظ على الاستدامة المالية والاستقرار المالي وكما ذكر وبحق المفكر الاقتصادي الراحل د. رمزي زكى إذا كان التضخم قد بات من الأمراض الاقتصادية والاجتماعية المتوطنة بالبلاد فما أحرانا أن نكافحه بكل الطرق وبكافة الأسلحة الفعالة من أجل ألا نجعله مرضا متوطنا.

إن الهدف الأساسي للسياسة الاقتصادية هو الوصول الى معدل تضخم معتدل يدعم الاستقرار الاقتصادي ويجعل الاقتصاد فى حالة توازن حركي منتظم يزيد من الناتج المحلى، أى تحقيق الاستقرار فى الاسعار وضمان معدل تضخم يضمن تحقيق الاهداف التنموية للبلاد. فارتفاع التضخم يلقى بظلاله على هدفي استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي، ويشكل خطورة على الاقتصاد القومي وهنا تتباين الآراء بين هل المطلوب هو استقرار الأسعار بالمعنى العلمي المتفق عليه او الالتزام بمعدل تضخم مناسب للاقتصاد القومي. إذ إن الاستقرار الكامل للأسعار يشير إلى أن هدف السياسة النقدية هو تحقيق معدل تضخم يساوى «صفرا» وأيضا إذا ارتفعت الأسعار فلابد ان تعود إلى سابق حالها بينما التضخم المعتدل يدعم الاستقرار ويجعل الاقتصاد فى حالة توازن حركي منتظم ويزيد من الناتج المحلى.

وهناك العديد من العوامل التي تدفع باتجاه تهدئة التضخم يأتي على رأسها تباطؤ التضخم العالمي وتحسن النمو فى الاقتصاد الدولي مما يحد من التضخم المستورد خاصة في ضوء تراجع أسعار النفط والحبوب والسكر الى جانب الزيوت النباتية والالبان، بالإضافة الى ضعف الدولار وسياسة التيسير النقدي. اما على الصعيد المحلى فهناك تراجع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية وأيضا الخضر والفاكهة بالإضافة الى السلع المعمرة. ولكن هناك عوامل عكسية تدفع التضخم للارتفاع يأتي على رأسها إعادة تسعير الخدمات الحكومية وزيادة أسعار المنتجات البترولية والغاز جنبا إلى جنب مع ارتفاع تكلفة الإيجارات.

ولا شك ان وضع الاقتصاد على مسار النمو غير التضخمي يجب ان يعالج الإخفاقات الأساسية بالسوق المصرية والتي تقوض من هذه الجهود. وتتطلب إزالة المعوقات التي تعوق قدرة بعض المؤسسات على الاضطلاع بمهامها. ويمكن الاستثمار (العام والخاص) من التفاعل مع آليات السوق والمنافسة فى ظل مناخ يتسم بالشفافية، وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة. وهو ما يؤدى في النهاية إلى تسهيل بناء القواعد الإنتاجية والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة، الأمر الذي يؤدى إلى تهدئة الأسعار وحصول المستهلك على السلعة الجيدة بالأسعار المناسبة. فعلى الرغم من ان آلية السوق وجهاز الثمن هما من أكفأ الآليات المحققة للنمو الاقتصادي، إلا أن اللجوء إليهما فى كل الأمور يعتبر من قبيل الخطأ القاتل. حيث أثبتت الدراسات ان الأسواق تعاني من اختلالات عديدة أكدها الكثيرون بشكل واضح يعود بعضها الى الأوضاع الاحتكارية، والبعض الآخر ناجم عن الاعتبارات القصيرة الاجل فى العمل، والتى تجعل السوق أقل قدرة على المنافسة. إن نظام السوق له مقومات أساسية ورئيسية لابد من استيفائها حتى يحقق الغرض منه، وفى مقدمة هذه المقومات وضع المؤسسات المناسبة لتحقيق انضباط السوق، والأطر التي تحمي حقوق كل الأطراف، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال وجود اجهزة رقابية قوية تستطيع مواجهة الأفعال الضارة بالسوق والتي تعوق قدرة الأطراف على اتخاذ قراراتهم وفقا للاعتبارات الاقتصادية وحدها وكذلك لمواجهة الآثار السلبية الناشئة عن الأفعال التي تهدف إلى الإضرار بالمستهلك او الكيانات العاملة بالسوق. فيما اصطلح على تسميته بالوظيفة التنظيمية للدولة والتي تشمل منع الممارسات الاحتكارية والسيطرة عليها الي جانب وضع وتنفيذ المعايير في العديد من المجالات.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية