تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هذا الكاتب وهذه المهنة وهذا الوطن
منذ بضعة أيام فقط كتبت على مواقع التواصل الاجتماعى متضامنا، ومتفقا فى الرأى مع الزملاء الصحفيين الذين كانوا ينعون سوء الحال المعيشى لأغلب العاملين بهذه المهنة فى مصر، شبابا وشيوخا.
وشاركتهم المخاوف على مستقبل الصحافة المصرية - بجميع أشكالها - لهذا السبب، ورأيت أنه سبب أكثر من كاف لإثناء الأجيال الشابة عن احترافها خاصة الموهوبين والمتعلمين تعليما رفيعا، إضافة بالطبع إلى الأسباب الاجتماعية والسياسية الضاغطة على حرية الفكر والبحث والتعبير، التى نعرفها جيدا.
لكن ـ وعلى الرغم من إجماع كل من تكرموا بالتفاعل مع سطورى تلك على سوء أحوال الصحافة، وبؤس أوضاع عموم الصحفيين المصريين ـ وجدتنى أسائل نفسي: هل أنا نادم حقا على اختيارى مهنة الصحافة، التى لم أعمل بغيرها منذ أنهيت دراستى، بل والتى لم أفكر - أصلا - فى العمل بغيرها؟!
وكانت إجابتى هى أننى لو لم أكن صحفيا لوددت أن أكون صحفيا.
لماذا؟
السبب هو اكتشافى مبكرا جدا متعة أو فضول المعرفة الصحيحة ومتعة وقدرة نقل هذه المعرفة للآخرين، ما جعلنى طوال فترة الدراسة - ومنذ الصف الخامس الابتدائى - رئيسا لتحرير صحيفة الفصل، باختيار المعلم المسئول وقتها، على اختلاف المدارس والمدرسين.
ولذا أيضا لم أتوقف عن الكتابة والنشر قط تحت أى ظرف ضاغط، فإن لم يكن فى الصحف السيارة، ففى الكُتب والأبحاث، وإن لم يكن فى هذه أو تلك فعلى شبكات التواصل الاجتماعى الإلكترونية، التى أتاحت لنا - بضغطة زر - الإطلال على العالم كله تقريبا.
لكن إشباع هذه الغواية الشخصية -إن جاز التعبير - لم يعد هو الأولوية بعد الاحتراف ودخول المعترك، بل أصبحت الأولوية هى للدور الحداثى بالغ الأهمية للصحافة، فى خدمة وترقية المجتمع والوطن، فكما تعلمنا على مقاعد الدرس، وفى صالات التحرير فالصحافة هى قناة التفاعل والتواصل السريع - أى اليومى والمباشر - بين الرأى العام ومؤسسات الحكم، وغيرها من المؤسسات العامة الرسمية، وغير الرسمية، وهى أيضا قناة التواصل والتفاعل فيما بين أفراد المجتمع، وسائر مكوناته التنظيمية والإقليمية، وبهذا فالصحافة مرآة للوطن ومرْشِد ومرَشِّد لعملية صنع القرارات السياسية والإدارية، وشارح ومبلغ للرأى العام بهذه وتلك ومترجم لردود الأفعال عليها.
هذه الوظيفة الاتصالية السياسية والاجتماعية لا تؤدى على وجهها الأكمل إلا بتوافر حرية تداول المعلومات، وحرية التعبير فى إطار الدستور والقانون، من جانب السلطات العامة من ناحية، وعلى أساس متين من الالتزام الوطنى والمهنى من جانب المهنة وأبنائها، من الناحية الأخرى.
لذلك - ومعذرة للعودة للحديث عن نفسى مرة أخرى - تحريت فى كل مواقعى وكل كتاباتى هذين الالتزامين قدر الطاقة، فإذا كنت أرفض مداهنة أصحاب السلطة، فإننى أيضا أرفض مداهنة الرأى العام، وإذا كنت لا أسمح لنفسى بنقل معلومة كاذبة فإننى بنفس القدر لا أتورع عن نقل الحقيقة الصادمة، مهما تكن قسوتها، وهنا ـ وعلى سبيل التمثيل ـ فإننى كثيرا ما كتبت وأكتب عن عيوب ونقائص المعارضة المدنية الجادة التى كنت أحد ممثليها فى مجلس أمناء الحوار المدنى، مثلما كتبت وأكتب عما أراه من عيوب وأوجه للنقد فى السياسات العامة، ومجمل الأداء الحكومى.
بهذه الخلفية وهذه الالتزامات الوطنية والمهنية أعود للكتابة المنتظمة فى الأهرام التى أعطتنى الكثير، والتى أعطيتها عمرى، والتى وصفتها، ومازلت أصفها بأنها أحد أهم القسمات أو الملامحً الجميلة والواضحة فى وجه مصر الحديث، ذلك الوجه الذى نأمل ويجب أن نسعى جميعا لكى نعيد له بهاءه، وهو ما لن يحدث إلا أن تصبح مصر دارا لسعادتنا جميعا، كما حلم الشيخ رفاعة مؤسس الصحافة المصرية، وأول كاتب رأى فى تاريخ المهنة، وأول مفكر سياسى حديث فى تاريخنا الوطنى.
خاتمة بروتوكولية: أوجه الشكر للزملاء فى قيادة الأهرام، والهيئة الوطنية للصحافة على دعوتهم الكريمة للعودة إلى قارئى على صفحات الأهرام، وآمل أن يتسع مناخ الانفتاح على التعددية لمزيد من الإفراجات القضائية وقرارات العفو الرئاسى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية